صدر خلال الأسبوع الماضي (إيضاحاً) من هيئة السوق المالية حول (ضوابط الاستثمار المنظمة لاستثمار الشركات المدرجة في السوق المالية)، تلخّص فيما يلي:
1- بالنسبة للاستثمار لفترة أقل من سنة (قصير الأجل)؛ يُسمح للشركات المساهمة بشراء وبيع الأوراق المالية من خلال صندوق استثمار أو محفظة استثمار خاصة، يديرها شخص مرخص له من قبل هيئة السوق المالية، وفقاً لعقد إدارة تقرّه الهيئة بحيث يعكس هذا العقد فصلاً تاماً بين الشركة وقرارات الاستثمار. حيث ترى هيئة السوق المالية أن التعاقد بهذه الصيغة، سيساهم في الحدِّ من المخاطر المصاحبة للاستثمار قصير الأجل.
2- بالنسبة للاستثمار لفترة سنة أو أكثر (طويل الأجل)، يُسمح للشركات المساهمة بشراء وبيع الأوراق المالية مباشرة دون التعاقد مع شخص مرخص له يتولّى الإدارة، شرط أن تلتزم الشركة المساهمة بعدم بيع الورقة المالية قبل مرور سنة من تاريخ آخر عملية شراء للورقة المالية العائدة للمصدر نفسه، وترى هيئة السوق المالية أن استثناء الاستثمار طويل الأجل من شرط وجود عقد إدارة مع شخص مرخص له، سيمنح الشركات المدرجة المرونة اللازمة لاتخاذ القرارات الاستثمارية.
3- أخيراً، تُستثنى شركات قطاعي البنوك والتأمين من إيجاد وسيط مرخص له من الهيئة لإدارة استثماراتها في سوق المال، نظراً إلى طبيعة نشاطها الرئيس المرتبط بالاستثمار، فضلاً عن أن شركات قطاعي البنوك والتأمين تخضع لضوابط صادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي، بمعنى أن الضوابط في الفقرتين أعلاه لا يخضع لهما قطاعي البنوك والتأمين. انتهى (الإيضاح) الصادر عن هيئة السوق المالية.
أحاول فيما يلي استقراء هذا (الإيضاح)، وربطه بالقرار الشهير الصادر عن هيئة السوق المالية برقم 5-126-2006 بتاريخ 23 يناير 2006م، الذي نصَّ على أنه (1) لا يجوز للشركات المساهمة المدرجة في السوق شراء الأوراق المالية أو بيعها ما لم يتضمن نظامها الأساسي نصاً يجيز لها ذلك، وبما لا يتعارض مع الأنظمة السارية ذات العلاقة. (2) يكون الاستثمار في الأوراق المالية بناء على قرار يصدر من مجلس إدارة الشركة يحدد فيه ضوابط الاستثمار، ومستويات المخاطرة بما يتسق مع العرف المهني لإدارة المخاطر ضمن نطاق أغراض الشركة الأساسية. على أن لا يؤثر هذا الاستثمار سلبياً على ممارسة الشركة لنشاطها الرئيس. (3) لا يجوز للشركات المساهمة المدرجة في السوق شراء الأوراق المالية المدرجة في السوق أو بيعها إلا من خلال صندوق استثمار، أو محفظة خاصة يديرها شخص مرخص له وفقاً لعقد إدارة تقره الهيئة، بحيث يعكس هذا العقد فصلاً تاماً بين الشركة وقرارات الاستثمار. (4) على الشركات التي لديها استثمارات لا تتفق مع البنود أعلاه من هذا القرار تصحيح أوضاعها بما يتفق معه خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ هذا القرار، على أن تقدم الشركة للهيئة خلال شهر من تاريخ القرار خطتها لتصحيح أوضاعها. (5) تكليف إدارة الإشراف والرقابة على التداول بالهيئة متابعة تنفيذ هذا القرار. وبالنسبة للفقرة (4) فقد صدر قرار من مجلس إدارة الهيئة السوق المالية بتاريخ 24 يونيو 2006م بتمديد المهلة الممنوحة للشركات المساهمة المدرجة في السوق التي تستثمر في الأوراق المالية لمدة ثلاثة أشهر إضافية تنتهي بتاريخ 23 أكتوبر 2006م لتصحيح أوضاع استثماراتها في الأوراق المالية وفقاً لنفس قرار مجلس الهيئة رقم 5-126-2006.
وعليه، كما يُلاحظ مما تقدّم أن (الإيضاح) الصادر على هيئة بيان إعلامي، كان من المفترض أن يصدر على هيئة (قرار) يتم نشره كإعلان رسمي على موقع هيئة السوق المالية، وأن يكون قراراً إلحاقياً بالقرار الأصل رقم 5-126-2006 الذي أصدرته الهيئة في تاريخ 23 يناير 2006م، شأنه شأن إعلان تمديد المهلة الذي أصدرته هيئة السوق في تاريخ 23 أكتوبر 2006م، وذلك ليكون معلناً على الموقع الرسمي لهيئة السوق المالية ومعلوماً لدى عموم المتعاملين في السوق. هذا عدا أن هذه القضية تتعلق بحزمةٍ من القرارات الأكثر أهمية في تاريخ السوق المالية المحلية التي اُتخذتْ فيما قبل وأثناء مرحلة الانهيار التي تعرّضت لها السوق خلال عام 2006م، بمعنى أنه كان جزءاً رئيساً من أسباب انهيار السوق خلال تلك الفترة، فهل يمكن الاقتناع بالخطوة الأخيرة من هيئة السوق المالية على هيئة (إيضاح)، والتي تعني في صلبها تغييراً جذرياً عن قرارٍ تمَّ اتخاذه في تاريخٍ سابق، جاءتْ نتائجه وخيمة على تعاملات السوق؟! إن من يقرأ (الإيضاح) الصادر مؤخراً يفهم أن هناك توجّه من قبل الهيئة تحفيز تعاملات السوق المحلية التي أصابها الركود، وتقلّصت فيها مستويات السيولة إلى درجاتٍ متدنية غير مسبوقة، غير أن تلك التوجهات مهما كانت لا بد وأن تأتي في السياق الذي لا يُخالف روح نظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية، وأولى الجهات في ضرورة الالتزام بتلك الأنظمة واللوائح من يقوم على ترسيخها وتوطيد ركائزها في السوق ممثلاً في الهيئة نفسها.
كما تأتي أهمية إعلانه كقرارٍ لاحق، لا كإيضاح إعلامي عائم، أنه مرتبطٌ بصورةٍ مباشرة بالسوق المالية، كان ولا زال يتمتع بالتأثير القوي جداً على تحديد اتجاهات السوق المالية. إذ أنه يتعلق بحجمٍ هائل من التدفقات الاستثمارية المحتملة على السوق وفق ما تقدّم أعلاه؛ حيث يُقدّر حجم موجودات الشركات المساهمة المدرجة في السوق بأكثر من 1.8 تريليون ريال، وقياساً على حجم المخاطر المتصاعد في الأسواق العالمية، وتراجعه بالنسبة للسوق المالية السعودية، فإن مجرّد تخصيص ما نسبته 1 في المائة فقط من تلك الموجودات للشركات المدرجة في السوق قد يعني تدفق نحو 19 مليار ريال، أو تخصيص ما نسبته 2 في المائة فذلك يعني أكثر من 37 مليار ريال، و3 في المائة قد تعني تدفق نحو 56 مليار ريال، وهكذا تتصاعد التدفقات كلما ارتفعت النسب! وهو ما لم تتنبه إليه تلك الضوابط النظامية كما يبدو من إعلاناتها، ولا ما قد يتبعها من احتمالاتٍ تتعلق بارتفاع معدلات المخاطر في السوق حال تركّز استثمارات الشركات المساهمة المدرجة على قطاعاتٍ أو شركاتٍ بعينها دون غيرها.
لا أحد يستطيع إنكار أن جزءاً كبيراً من الواقع الراهن الذي تعيشه السوق المالية السعودية؛ سواءً بإيجابياته أو بسلبياته كان نتيجة قرارات الماضي، سواءً تلك التي صدرت عن هيئة السوق المالية أو من بقية الأطراف ذات العلاقة من جهاتٍ رسمية أو متعاملين أو شركات أو خلافه، ولن تُفلح بعدئذٍ أية محاولات للتملّص من مسؤولية تلك القرارات مهما كانت سياقاتها اللاحقة.
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
me@abdulhamid. net