لا شك في أن هناك أجهزة حكومية عدة، وأخرى خاصة، تعمل وتجتهد لزيادة درجة تنافسية الاقتصاد السعودي، ورفع مستوى قدرته على جذب واستيعاب رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما يعني، بالضرورة، جذب وتوطين التقنية الحديثة. ومن المؤكد أن هذا الهدف يمثل صلب عمل الهيئة العامة للاستثمار. ولم يكن إقرار نظام الاستثمار الأجنبي الجديد إلاَّ في هذا السياق. بل إن إمارة منطقة الرياض، وباهتمام خاص من أميرها المحبوب سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد أولت هذا الجانب عناية خاصة بإنشاء مركز تنافسية الرياض، وتسلم الأمير محمد بن سلمان دفة المركز، وأعرف، من خلال مناقشتي له حول هذا الخصوص ووقوفي على الجهود التي يبذلها، وهي ليست هينة، وتقوم على أسس مهنية عالية، أن هذا المركز سيحدث فرقاً لصالح العاصمة السعودية، وهو ما سينعكس بالضرورة على الاقتصاد الوطني. هذه جهود تتم حالياً على الساحة الاقتصادية، وهي جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وسخر له إمكانات الدولة وقدراتها البشرية والمادية، وشدَّد على أهميته، مؤكداً أن نتائجه ستصب لمصلحة المواطن السعودي، الذي هو هدف التنمية وغايتها. ولكي تنجح هذه الجهود والأعمال الاقتصادية فإنها تحتاج إلى توفير بيئة عمل مناسبة، ومناخاً ملائماً، حتى يمكن أن تتفاعل هذه الجهود مع بقية فعاليات المجتمع؛ إذ لا يمكن، في هذا العصر، أن تعزل الاقتصاد عن بقية فعاليات المجتمع؛ فالاقتصاد يرتبط بالبيئة الفكرية والاجتماعية للمجتمع، ولا بد أن تستجيب هذه البيئة لمتطلبات الاقتصاد، وتتفاعل معه، حتى تتحقق الإنجازات على أرض الواقع؛ إذ لا يمكن أن يُعزل التخطيط الاقتصادي عن المجتمع. وإذا شكلت البيئة الفكرية والاجتماعية عقبة أمام التطوير الاقتصادي، واصطدمت التنمية الاقتصادية ببعض سلوكيات المجتمع التي لا تقوم على أساس شرعي، بل هي تراكمات اجتماعية، وقد تكون خاطئة، فإن من حق ولي الأمر، إن لم يكن من واجبه، أن يتصدى، بما تملكه الدولة من سلطة، لمعالجة الخلل القائم وفرض التطوير ومواكبة متطلبات العصر. وهذا ما حصل فعلاً في حالات سابقة بقرارات إنشاء الاتصالات والتلفزيون وفتح مدارس البنات وغيرها. ولذلك فإن على أهل وقادة الفكر والمجتمع الآن أن يستوعبوا هذه الحاجة لدعم الاقتصاد الوطني، وتهيئة المناخ الفكري والاجتماعي؛ ليكون الاقتصاد السعودي قادراً على أن يخلق قاعدة تنافسية حقيقية، تضعه في المكانة التي يستحقها على الساحة الاقتصادية الدولية، بما تملكه هذه الأرض الطيبة من قدرات بشرية مؤهلة، وموارد اقتصادية ثمينة. إنَّ ما يثار الآن على ساحة الفكر وأروقة المجتمع، من آراء أو طروحات أو فتاوى، سمِّها ما شئت، حول حكم الاختلاط، وقيادة المرأة للسيارة، وممارسة النساء للرياضة، وحكم إرضاع الكبار، وغيرها من طروحات غير مسؤولة، أو هي لم تراعِ الوقت المناسب على الأقل، تعكس خللاً في التوجه، وتخلق مناخاً لا يخدم الاقتصاد السعودي، ويضع المستثمر الأجنبي، وهو يهمنا كثيراً، أمام تساؤلات حول توجهات هذا المجتمع، وبيئة العمل، واهتمامات الناس.. وكلها تساؤلات تقود إلى إجابات لا تخدم الاقتصاد، بل تهدم كل ما بذل من جهود مخلصة. إن هذا الذي يحدث هو نوع من سوء استخدام واستثمار الموارد الاقتصادية، وسوء في استخدام واستثمار الوقت، وهو نوع من العمل الذي لا يخدم الاقتصاد أو المجتمع، ويخلق الفرقة والفتنة والبغضاء، ويسيء إلى سمعة البلاد والعباد، إن لم يكن مسيئاً إلى هذه الشريعة السمحاء. كفانا عبثاً.
رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) - رئيس تحرير مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض