الجزيرة - عبدالعزيز العنقري
بعد 35 يوماً من المحاولات الفاشلة من شركة «بريتش بتروليوم» لوقف التسرب النفطي في أحد آبارها المنفجرة في خليج المكسيك, قررت الشركة استخدام تقنية جديدة أطلقت عليها اسم (قمة القتل). عبر ضخ ثمانية آلاف ليتر من الإسمنت في الدقيقة في خراطيم متشعبة ومتصلة بقاع المحيط بهدف تغيير مجرى النفط عبر خراطيم أخرى تم تجهيزها لخنق وقتل التسرب. وقدرت الشركة ان نسبة نجاح هذه التقنية لا تتعدى (60 إلى 70) بالمائة لأنها تجري على عمق 1500 متر تحت الماء وهي مسافة ليست بالهينة.
ويرى بوب بيا أستاذ الهندسة في جامعة كاليفورنيا في تصريحه لوكالة اسوشيتد برس أن هذا الإجراء ينطوي على مخاطر عالية لاحتمالية فشله بسبب السرعة التي يمكن للنفط أن ينقذف بها للأعلى, وقال بيا: إذا كانت بعض التقديرات التي تشير لتسرب 70 إلى 100 ألف برميل يوميا, هي تقديرات صحيحة فذلك يعني أن تقنية «قمة القتل» ستفشل بجدارة لأن أي تسرب يتجاوز 40 ألف برميل يومياً من شأنه أن يكون كبيراً جداً بالنسبة لهذه التقنية.
وفي حال فشل هذه التقنية فإن الحل الوحيد والمضمون لوقف التسرب بحسب ما أعلنه المدير التنفيذي للشركة هو عبر طواقم آبار الإغاثة التي تعتمد على الطرق التقليدية في معالجة مثل هذه الأزمات وهي قد بدأت فعلا في عملها ولكن عملها سيستغرق شهرين على الأقل حتى يتم وقف التسرب النفطي.
وفقا لتقديرات شركة بريتش بتروليوم المتحفظة فإنه لا يقل عن 150 ألف برميل وبمعدل 5000 آلاف برميل يوميا قد تسربت جراء انفجار البئر. فيما يعتقد البعض أن التسرب قد تجاوز 250 ألف برميل وهو ما يعادل 30% حتى الآن من كمية تسرب النفط في حادثة إكسون فالديز قبالة ولاية ألاسكا في العام 1989 والتي اعتبرت الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة. إلى ذلك حذر علماء مستقلون أن تقديرات الشركة لحجم التسرب بنحو 5000 برميل يوميا غير دقيق، ويرون أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير, وربما وصلت من (70) إلى (100) ألف برميل في اليوم.
ومع وصول التسرب النفطي على طول شواطئ لويزيانا, يخشى مسؤولو الحياة البرية موت مئات الآلاف من الأسماك والطيور, ما يعيد لأذهان الأمريكيين كارثة تسرب اكسون فالديز في1989 التي تسببت بقتل مئات الآلاف من الطيور وثعالب الماء وغيرها من الحيوانات. وقد تضررت ولاية لويزيانا بشدة من حظر الصيد في رقعة واسعة من الخليج بسبب التسرب. حيث تعتبر لويزيانا أهم مصدر للمنتجات البحرية التجارية في الولايات المتحدة. ما دفع الصيادين والشركات المتضررة مثل المطاعم ومصنعي الأغذية بتوكيل محامين للمطالبة بالتعويض المادي من شركة بريتش بتروليوم عن الأضرار التي تكبدوها جراء التسرب النفطي. في الوقت الذي تواصل فيه الشركة إقناعهم بالتوقيع على التنازل مقابل تسوية جزئية عبر عرض شيكات عليهم بدلا من الدخول في قضايا التعويض. وقالت الشركة ان تكاليف التسرب قد ارتفعت إلى 760 مليون دولار. وأوضحت انه من المبكر جدا لحساب التكاليف المحتملة المتعلقة في دفع مطالبات التعويض من المتضررين والتي قدرها البعض بـ 12 مليار دولار.
و لم تتأثر السياحة حتى الآن على سواحل لويزيانا والمسيسبي وألاباما حيث أظهرت الأرقام خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الحالي أن معدلات الأشغال ما زالت مرتفعة. واعتبر الرئيس أوباما الحادثة بأنها أسوأ كارثة بيئية في تاريخ الولايات المتحدة, وألمح لاحتمالية ان يتم توجيه اتهامات جنائية لشركة بريتش بتروليوم. وتصاعد الغضب على كل من بريتيش بتروليوم والحكومة الاتحادية فيما يتعلق بالكارثة فثلاثة أرباع الأمريكيين يعتقدون أن شركة بي بي وإدارة أوباما لم تتعامل بطريقة فعالة وسريعة مع هذه الكارثة. ويتوقع المراقبون أن تؤدي الحادثة لإضعاف فرص نجاح الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس في نوفمبر المقبل حيث من المرجح أن يقوم الناخبون بمعاقبة الديمقراطيين بغض النظر عمن يعتبر في نهاية المطاف المسؤول عن التسرب النفطي والتأخر في معالجته.
ويرفض هنريك هوغلوند رئيس بريتش بتروليوم وفقا لما ذكرته الفاينانشال تايمز الأمريكية الدعوات الرامية لإشراف الحكومة الأمريكية المباشر على عمليات وقف التسرب النفطي. حيث يطالب الجمهوريون بسيطرة الحكومة على كل العمليات الجارية لوقف التسرب، فبعد تسرب ايكسون فالديز في ألاسكا، أصدر الكونغرس قرارا بتحميل شركات النفط مسؤولية التعامل مع الحوادث الكبرى بما في ذلك دفع تعويضات الأضرار وتكاليف التنظيف الناجمة عن التسرب. وقد أثار التسرب عدة أسئلة حول اقتراح أوباما في وقت سابق بشأن التوسع في الحفر البحري كجزء من إستراتيجية كسب دعم الجمهوريين لتشريعات تغير المناخ. يذكر أن شركة بريتش بتروليوم فقدت نحو 25% من قيمتها السوقية أي ما يعادل 50 مليار دولار منذ بدء حادثة التسرب النفطي في خليج المكسيك بعد انفجار حفار في منصة النفط البحرية في 20 ابريل الماضي والذي أودى بحياة 11 من عمال الشركة.