بعد الاستجابة المبالغ فيها لمؤشر السوق للأزمة اليونانية، ضربت سوق الأسهم عاصفة جديدة نتيجة مخاوف نشوب حرب بين الكوريتين، أدت إلى خسارة المؤشر لحوالي 539 نقطة جديدة بعد 528 نقطة التي خسرها خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من هذا الشهر.. ويعتقد البعض أن شهر مايو الحالي يعتبر امتداد لفترات المآسي التي مر بها سوق الأسهم المحلية خلال الفترة (2006-2008).. وهذه المرة نشأت المخاوف نتيجة تراجع اليوان (العملة الصينية)، والتي يتوقع أن تترك تأثيرات سلبية عميقة على أسعار النفط.. ما أدى إلى مخاوف داخلية كبيرة من إلحاق خسائر كبيرة بقطاع البتروكيماويات.. وهذا الأمر لم يكن خاصا بالسوق السعودية فقط، ولكنه امتد إلى كافة البورصات الخليجية.. والسؤال الذي يطرح نفسه: رغم كل النجاحات الاقتصادية وعلى رأسها تحقيق معدلات نمو جعلت الاقتصاديات الخليجية في مكانة النمور الجديدة، ورغم ضخامة حجم النفقات الحكومية على مستوى كافة الدول الخليجية ورغم امتلاكها لكافة الموارد الاقتصادية الضرورية.. إلى متى ستظل أسواق هذه الدول ترتبط وتتحسس لأدنى مخاوف سياسية أو اقتصادية هنا أو هناك ترتبط بها أو لا ترتبط بها ؟ ألا يوجد طريق للخروج أو حتى التخفيف من الارتباط بالخام الساخن «النفط»؟ أما الشيء المثير حقا، فهو يتمثل في: كيف «وبما» يمكن أن تتدحرج التقييمات المحلية والعالمية للقيمة العادلة لمؤشر السوق وأيضا القيم العادلة للأسعار السوقية للشركات المتداولة بهذا الشكل الملفت للنظر بين ليلة وضحاها ؟ كيف يمكن أن يتحول السوق من مؤهل للصعود ومن سوق يمتلك فجوات سعرية إلى سوق متضخما ويحتاج إلى تصحيح ؟ فهل التصحيح يولد في لحظة؟
مخاوف الحرب بين الكوريتين وأزمة اليوان الصيني..
اليوان ليس مجرد عملة لدولة، ولكنه يلعب الآن دورا هاما في التجارة العالمية بأهمية وكبر حجم دور الصين في الصادرات والواردات العالمية.. وتعتبر الصين أحد شركاء المملكة المهمين «تصديرا أو استيرادا» ورغم أن المملكة لا ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع كوريا الشمالية، إلا إنها ترتبط بالصين وكوريا الجنوبية ارتباطا وثيقا، لدرجة أنهما يأتيان في المرتبتين الرابعة والخامسة على التوالي كأكبر شركاء في الصادرات السعودية، ويساهمان معا بنسبة 17.6% في إجمالي الصادرات السعودية، أو بما يعادل حوالي 207 مليار ريال.. أيضا تساهم الصين وكوريا الجنوبية بنسبة 15.5% من إجمالي الواردات السعودية، حيث تستورد المملكة ما قيمته 66.8 مليار ريال من الدولتين معا، وبالتالي فإن نشوب حرب في هذه المنطقة أو اضطراب قيمة عملة اليوان يتوقع أن يترك تأثيرات على الاقتصاد الوطني.
التصحيح الفجائي للسوق
اعتدنا في السوق المحلي على وجود نوعين من التصحيح، تصحيح معتاد وطبيعي، وهو التصحيح الذي يحتاجه السوق عندما يصعد مؤشره بشكل مبالغ فيه، وهو يكون متوقعا وغالبا يحدث في شكل جني أرباح أو ربما في شكل تراجع حاد في لحظة معينة.. ولكن يوجد أيضا هناك نوع آخر من التصحيح، وهو تصحيح قد يحدث في أي لحظة حتى بدون وجود تضخم في قيمة المؤشر العام أو القيم السوقية للشركات، وهو «تصحيح هشاشة السوق».. فعندما تحدث أي أزمة محلية أو عالمية، قد يظهر مؤشر السوق على أنه متضخم رغم أنه غير متضخم، والسبب هو أن قيمة المؤشر عند حدوث هذه الأزمة يتم إعادة تقييمها بقيمة أقل، نتيجة أن جزء من قيمة هذا المؤشر قامت على معايير غير صلبة أو معايير هشة.. ومن أكثر العناصر التي تتسبب في هشاشة مؤشرات البورصات اعتماد الاقتصاديات على إيرادات المنتج الواحد، وبخاصة إذا كان هذا المنتج هش ويمكن تخليه عن مستويات أسعاره بسهولة.. ويحدث هذا أصلا عندما يكون الطلب على هذا المنتج مرتبط بعناصر ومتغيرات تقوم على الأوضاع الطبيعية فقط.. وفي هذا السياق، يعتبر النفط من أكثر المنتجات حساسية على الاطلاق، وبخاصة في الفترات التي تموج بالاضطرابات السياسية، وهو قادر على خلق تصحيحات فجائية لبورصات الاقتصاديات التي تعتمد اقتصادياتها عليه.. لذلك، فلا مفر من تصميم هذه الدول استراتيجياتها الاقتصادية الشاملة بناء على الانفلات من هذا الاعتماد الاقتصادي القوي على النفط، وإلا فإن بورصاتها معرضة لأوجاع عنيفة كل حين وآخر.
تحرير التجارة العالمية واستيراد الأزمات
رغم ارتداد مؤشر السوق يوم الاربعاء الماضي ورغم أنه استرد جزء من خسائر بلغت 102 نقطة، إلا إن خسارة يوم الثلاثاء والتي بلغت 417 نقطة قد لا تكون الأخيرة في ظل فترة أصبح الاقتصاد العالمي معرض فيها للعديد من الأزمات.. بل الغريب أن الأزمات أصبحت تتوالي، بحيث لا يمر شهر إلا وهناك أزمة اقتصادية جديدة في بؤرة معينة.. ولكن لماذا أصبح الوضع هذا السوء في استيراد الأزمات؟ السبب هو النجاح الدولي المزهل في تحرير التجارة العالمية، فاليوم تكاد تجارة السلع والخدمات تكون قد تحررت بالكامل بين الدول، وبخاصة في التجارة في المال والاستثمار، والتي تنتقل معها العدوى من مكان لآخر.. إن الوضع المآساوي الحالي لاستيراد الأزمات والانتقال السريع لعدواها إنما هو ضريبة النجاح في تحرير التجارة المالية.. لذلك، فلا مجال من الحماية من انتقال العدوى سوى بالتخلص من العناصر الأكثر سخونة لنقل هذه العدوى.
مخاوف الفترة المقبلة
لدينا الآن اكتتاب مدينة المعرفة بقيمة 3.4 مليار ريال، وهو اكتتاب ليس صغيرا، وفي الاعتقاد أنه سيمكن بسهولة تغطيته، إلا أن حال السوق خلال الشهر المقبل قد لا يكون بجودة الشهور الماضية قبل أبريل، حيث اقتربت فترة الاجازات الصيفية، ثم أن الشهر المقبل هو الشهر السابق للإعلان عن نتائج أعمال الشركات للربع الثاني، أيضا هو الشهر قريب من رمضان، وبالتالي فإنه إذا لم تتحسن أسعار النفط وتعود إلى سابق عهدها فوق الـ 75 دولار على الأقل، فإن مؤشر السوق قد يكون معرضا لتراجعات جديدة، وبخاصة في ضوء الاستعداد النفسي للبيع لدى المتداولين بأسعار أقل.
د. حسن أمين الشقطي