انضم كارلوس غصن لشركة نيسان كمدير للعمليات ثم أصبح رئيسا للشركة، ورئيسا تنفيذيا. كانت نيسان تعاني قبل انضمامه لها من عجز في الميزانية وديون تجاوزت 20 مليار دولار. وعد كارلوس بأن الشركة ستتخلص من ديونها خلال خمس سنوات.
بعد سنة واحدة من انضمامه لها نجح في تحويل خسارة 6.1 مليار إلى أرباح بلغت 2.7 مليار دولار. رغم تركيز كارلوس على تحسين ربحية الشركة، التخلص من الديون، والإنتاجية إلا أنه لم ينس أداء سهم نيسان في السوق، وهو ما يهم المساهمين والمستثمرين بالدرجة الأولى. صرح كارلوس بأن أداء السهم في السوق المالية غير مرضٍ، ولا يعكس حجم الشركة وقوتها، وأنه سيعمل جاهدا لتحسين أداء الشركة ما سينعكس إيجابا على أداء السهم.
يقتني المستثمرون سهم شركة ما طلبا للعائد، والأرباح الرأسمالية، أو حماية استثماراتهم من التآكل على أقل تقدير، ومن هنا تأتي أهمية الإدارات التنفيذية لتحقيق ذلك الهدف من خلال تعظيم الربحية، والتوزيعات النقدية التي ستضمن دعما لقيمة السهم السوقية، أو على الأقل حمايتها.
بعض الشركات العالمية تسعى إلى توفير صانع سوق لسهمها خشية تعرضه لتقلبات حادة ومؤثرة. وبعض الشركات تعمد إلى إعادة شراء أسهمها من السوق حين تنحدر قيمة السهم السوقية عن قيمته العادلة، وهي إشارة للسوق والمتداولين بأن السهم يتداول بأقل من قيمته. ليس من مصلحة الشركة أن يتحول سهمها إلى سهم مضاربي تتقاذفه الأيدي، فتعظم سعره، حينا، وتبخسه أحيانا أخرى بطريقة لا تعكس القيمة العادلة للسهم، وهي لا تحبذ أيضا أن يتحول سجل مساهميها إلى سجل فندق مطار تتغير أسماء النزلاء فيه، كاملة، كل ليلة!. مثلما تبحث الشركة عن الاستقرار والنمو المنضبط في أدائها الإنتاجي والمالي، فهي تأمل أيضا أن يتحرك سهمها في السوق وفق تلك الانضباطية المدروسة.
تلك الفلسفة، أو لنقل الثقافة، ربما لا تتوفر لدى غالبية رؤساء الشركات السعودية مع بعض الاستثناءات، لذا يمكن ملاحظة انهيار الأسهم القيادية في السوق السعودية بصورة مخيفة لأسباب غير منطقية، دون أن يحرك ذلك الانهيار شعرة في رأس مسؤوليها. ماذا لو مارس المساهمون حقهم في محاسبة الإدارات التنفيذية على أداء أسهمهم، وتناقص استثماراتهم لأسباب غير منطقية، يدخل من ضمنها صمت الإدارات التنفيذية عن الدفاع عن أسهمهم، وأداء شركاتهم في السوق، أو تفنيد الشائعات، أو تحليل المعلومات الإنتاجية المهمة وتقلبات أسعار منتجاتها، أو الإحجام عن إعطاء إشارات إيجابية واقعية عن مستقبل الأرباح، وتطور الإنتاج؛ وهو ما يؤدي في الغالب إلى زيادة حدة الأزمة؟. عندها ستبحث الشركات عن أساليب خاصة تمكنها من حماية أسهمها، وفق النظام، إرضاء للمساهمين الذين يمتلكون الحق في إقالتهم جميعا!. الأكيد أن الحماية المعنية هنا هي حماية نسبية، على أساس أن السوق تحتاج في الأساس إلى حماية أخرى تجعلها قادرة على توفير بيئة الحماية المناسبة لكل شركة على حدة بحسب قدراتها التفاعلية، الإنتاجية، والربحية.
المهندس مطلق المريشد، نائب الرئيس للشؤون المالية في شركة سابك، أحد الاستثناءات المضيئة في السوق السعودية، تجده موضحا، و منافحا عن سابك في أشد الظروف، لا يتوارى عن الأنظار، ولا يختفي حين يبحث عنه الإعلام. شخصية كاريزمية تجمع بين المعرفة والكفاءة، والقدرة على إحداث التغيير، والتطوير في قطاعات الإنتاج، المال، والإعلام الاقتصادي أيضا. أعتقد أنه من القلة الذين لم تستطع قيود الأنظمة تكبيلهم عن قول ما يُريد بلغته البسيطة القريبة من العامة، لا خاصة (التَصَنُع). المريشد من الكفاءات القليلة التي يمكن أن يُعول عليها في خطط التطوير الشامل، إعادة الهيكلة، ووضع الإستراتيجيات الوطنية الطموحة خاصة في قطاعات الإنتاج، الأكثر أهمية للوطن والمواطنين.
في مقابلة مع قناة «العربية» استغرب المهندس المريشد من « حالة الهلع التي شوهدت في تداول سهم سابك» الأيام الماضية، وأكد على أن «سابك لن تتأثر بانخفاض أسعار النفط إلا إذا أصبح بما يشبه البلاش». حماية سهم سابك من صقور المضاربة، وحَمَائم السوق، هو حماية للسوق بأكمله لما تمثله من وزن وقيادة، وتأثير نفسي.
على حد علمي سجل المريشد سابقة دفاعية عن سهم شركته، وهي الثقافة التي نبحث عن نشرها، وزيادة عمقها في السوق، قبل البحث عن (عمق السوق) المزعوم.
لم يرضَ كارلوس غصن عن أداء سهم شركته في البورصة اليابانية، ولم يقبل المهندس مطلق المريشد بحالة الهلع التي ارتبطت بتداولات سهم سابك في السوق السعودية، وهما موقفان يفترض أن نجد مثلهما الكثير في السوق السعودية!، إلا أن ثقافة قطاع الإنتاج، سوق الأسهم، الأنظمة والمسؤولين لم تصل بعد إلى ذلك المستوى الرفيع من الاحترافية في التعامل مع الأسواق المالية. لذا نجد أن خسارة السوق لما يقرب من 86 مليار ريال في يوم واحد، وأكثر من ألف نقطة، و 220 مليار ريال في أيام معدودات لا تعني شيئا لبعض المسؤولين الذين أبدوا الكثير من اللامبالاة بفقدان المواطنين ثرواتهم التي كانوا يمنون النفس بتعظيمها لا حرقها على (طاولات الروليت) النظامية في سوق الأسهم السعودية.
نأمل أن يهب بعض المتطوعين في طمأنة الأسواق العالمية، وإعادة الثقة لها، والمساهمون في دعم اقتصادات العالم المتضررة من الأزمة الاقتصادية، والمنافحون عن خطط التحفيز؛ المؤمنون بمقولة (الصمت حكمة) لدينا؛ نأمل أن يهبوا لحماية سوق الأسهم السعودية من عثرات الانهيار المتتالية، وأن يُعينوا صغار المستثمرين، أو يعزوهم، ولو بالصوت فقط؛ فهل نطلب المستحيل؟.
***
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM