التغيير سنة من سنن الله، وهو القاعدة والأصل، وهو الوضع الطبيعي، والاستقرار ما هو إلا مرحلة تغيير ولكنها كامنة، وغير ملاحظة، هذه هي القاعدة التي أثبتها الجميع بما فيهم علماء ومفكرو الإدارة، فهذه روزابث كنتر Kanter، أحد أشهر علماء ومفكري الإدارة التي تنسب إليها الحكمة والمقولة المشهورة «Stability is unnoticed change»، الاستقرار تغيير غير ملاحظ. كما ذكر كارل ويك Weick في كتابه علم النفس التنظيمي «إن التغيير هو الوضع الطبيعي للمنظمات وإن الاستقرار هو الاستثناء».
فالتغيير إذن سنة كونية، وسمة حياتية تواجه الأفراد والمنظمات والمجتمعات والدول، وإن اختلفت درجته، وطبيعته، وآثاره السلبية والإيجابية، تبعاً لاختلاف العوامل الداخلية والخارجية.
ولأهمية التغيير في الجانب الإداري تكلم عنه الكثير من مفكري الإدارة، حديثاً وقديماً، وفي مؤتمر مينوبروك Minowbrook في نيويورك الذي يهتم بمفهوم الإدارة العامة الجديدة، ومحاولة التقريب بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال تبنوا التغيير، وكان أحد الأربع نقاط التي تبنوها في المؤتمر الأول الذي عقد عام 1968م بإدارة دوايت والد Dwight Waldo. ( وسوف أحاول أن ألقي الضوء على مؤتمرات مينوبروك Minowbrook الثلاثة في مقال لاحق إن شاء الله).
ولم يقف اهتمام علماء الإدارة عند هذا، بل وضعوا له نماذج ووسائل عديدة ترشدنا وتساعدنا لإحداث التغيير، فمن نموذج كيرت لوين Kurt Lewins، الذي يعد أقدم المحاولات التي حاولت المساهمة في إرشادنا لإحداث التغير، والتي قسم فيها مراحل التغيير إلى ثلاث مراحل، مرحلة الإذابة، التي تسعى من خلالها الإدارة إلى التحرر من الوضع الحالي وتهيئة الأفراد الذين يشملهم التغيير إلى تقبل التغيير بعد إشعارهم بأهميته، فهذه مرحلة خلق الحاجة للتغيير والإحساس بأهميته وتشخيص واستبعاد القديم وامتصاص المعارضة واحتوائها. ثم مرحلة إحداث وإجراء التغيير، وإحلال الأفكار الجديدة وطرق العمل البديلة محل تلك التي تمت إذابتها أو استبعادها. وهذه هي الخطوة الأكثر صعوبة بسبب ما يرافقها من مقاومة. ثم المرحلة الثالثة والأخيرة هي إقرار وتثبيت الجديد لتعود المنظمة لحالة الاستقرار على ما تم تغييره من سلوكيات وآليات عمل ومهارات.
ومن النماذج الأخرى الجميلة نموذج ادكر Adkar، الذي حدد خمس مراحل للتغيير وهي: مرحلة الوعي Awareness بأهمية التغيير والحاجة إليه، وما ينتظران تحققه من إيجابيات ونتائج مفيدة، وما تعالجه من مشكلات حالية، ومرحلة الرغبة Desire، فالوعي لا يكفي ما لم تصاحبه رغبة قوية والحماس للإسهام في إحداث التغيير وتحمل المسؤولية تنفيذ خططه والقيام بمهامه. ومرحلة المعرفة Knowledge، فالوعي والرغبة ما لم يصاحبهما معرفة علمية ومتخصصة تمكنهم من القيام بالتغيير وترجمته على أرض الواقع، لا فائدة منهما، فالمعرفة إذاً ضرورية لإحداث التغيير. ومرحلة القدرة Ability، فالمعرفة المكتسبة والمتخصصة بدورها ينبغي أن تتحول إلى مهارات، وسلوكيات جديدة توظف المعرفة الجديدة لتحل محل السلوكيات التقليدية القديمة. المرحلة الخامسة والأخيرة هي الإلزام Reinforcement، وما أن يتحول الوعي والرغبة والمعرفة إلى قدرات ومهارات لدى العاملين على مختلف المستويات يصبح من الضروري العمل على تصميم السلوكيات الجديدة ومتابعة العمل بموجبها خشية أن لا يكون التغيير وقتياً ثم يعود الجميع أو البعض منهم للعادات والسلوكيات السابقة. وبالالتزام بهذه الخطوات الخمس تضعف مقاومة التغيير وتصبح خططاً قابلة للتطبيق ولتحقيق الأهداف المبتغاة منها.
وأخيراً نموذج جون كوتر Kotter الذي يقول أن الناس يغيرون ما يشعرون أنهم مقصرون فيه، ويحدث ذلك عندما يتعامل الأفراد مع التقنيات أو مع الإستراتيجيات الجديدة، أو عند تعرضهم لتحولات ثقافية وحضارية، فقد قام كوتر بدراسة ميدانية للعديد من الشركات الأمريكية وقام بمقابلات شخصية لموظفيها، وتوصل كوتر إلى أن التحسينات التدريجية والتقليدية لم تعد كفيلة لاستمرار وبقاء المنظمات اليوم، فما بالك إذا كانت هذه المنظمات تبحث وتنشد النجاح والتفوق، إن ذلك يتطلب القفزات والتدخلات الكبيرة والجوهرية لاغتنام الفرص وخوض غمار المنافسة في بيئتها عبر مراعاتها للمراحل الثمانية التي توصل إليها كوتر في دراسته لإدخال التغييرات التنظيمية الطموحة: فيتم ذلك من خلال الدفع بحالة الطوارئ (Push urgency up). وتشكيل فريق للتوجيه (Put together guiding team). وبناء الإستراتيجية والرؤية (Create the vision and strategy). وإيصال الرؤية والرسالة (Communicate the vision and mission). وإزالة العقبات في أجواء العمل (Remove barriers to action). وتحقيق الانتصارات السريعة (Accomplish short term wins). والدفع بالتغيير بصورة مستمرة (Keep pushing for wave after wav e). وأخيراً بناء ثقافة جديدة لسلوكيات جديدة (New culture for new behavior).
هذه بعض النماذج التي ترشدنا وتساعدنا في عملية التغيير، ولكن تبقى الخطوة الأهم والأصعب وهي متى، ومن يبدأ؟، ونحن نقول اجعل من نفسك التغيير الذي ينتظرونه. فلكي يبقى النهر نهراً، يجب أن تتغيّر مياهه بصورةٍ مستمرةٍ وإلا فالركود والعفن نهايته. «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم «.
alaidda@hotmail.com