لا شك أن الانطباع الأولي يؤثر بشكل كبير في نظرة الإنسان لما هو آت، وقد كثر مؤخراً الحديث عن الانطباع الذي يُشكله القادم إلى مطارات المملكة دون استثناء وما يمكن لذلك الانطباع أن يولد من تصور
عن باقي الخدمات في المملكة بشكل خاص وعن المجتمع السعودي بشكل عام إلا أنني هنا أود الحديث عن الخبرة الأخيرة التي يحملها معه المسافر عبر مطاراتنا غير مقلل من انطباعه الأولي عند قدومه لكنني في ذات الوقت أؤمن بأن ذلك الانطباع قد يتغير إيجاباً متى رأى الزائر لهذه البلاد وجوها أخرى تعكس طبيعة مجتمعنا الحقيقية ويكتمل مسلسل التغير الإيجابي إذا صعد الطائرة مغادراً دون أن يتعرض لخبرة سيئة تعيد إليه انطباعه الأول وتكرس المفهوم الذي شكله حين قدومه.
الغريب في الأمر أنه وبغض النظر عما كُتب وما سيكتب تظل الأجهزة القائمة على مطاراتنا لا تحرك ساكناً ولا تقوم بعمل لاستدراك الأخطاء المتكررة التي يتم التنبيه عليها بشكل مستمر سواءً عبر الشكاوى التي ترد إليهم أو عبر ما يكتب في الصحف.
وتظل الحالة كما هي حيث ترى التطاول على أنظمة المطار وخرقها من قبل موظفي المطار أنفسهم سواءً العاملين بالخطوط أو في الخطوط الخلفية أو حتى من رجال الجوازات. فترى كيف يرافق أحدهم صديقا له مسافراً متجاوزاً صفوف المغادرين ليصل إلى الموظف المعني بإصدار بطاقة صعود الطائرة الذي يتجاوز هو الآخر عن وزن عفش الراكب والحد المسموح له طالما أنه برفقة زميل له سواء من موظفي الخدمة أو من الجوازات، ثم ترى كيف يسمح له أيضاً بتجاوز صفوف المغادرين عند موظفي الجوازات وأخيراً الدخول معه إلى صالة المغادرة حيث تجد أن أغلب من فيها هم مرافقون وليسوا مغادرين.
تعتبر المؤسسات الخدمية في بلادنا أو في بلاد العالم أجمع من أكثر المؤسسات التي يتم انتقادها ذلك لمساسها مباشرة حاجات الإنسان وتقديمها خدمات قد لا يستطيع المواطن أو المقيم الاستغناء عنها في معظم الحالات. ولعلي لا أبالغ القول إن ذكرت بأن تلك المؤسسات تعتبر مادة دسمة ومشهية لمن أراد انتقادها وتسلق تلتها للوصول لإثارة الرأي العام ومن ثم تحقيق شهرة من خلال انتقاده لها حيث سيتسنى له إنصاف من تعرض لمواقف سلبية معينة أو إثارة ربما إدارات العلاقات العامة في تلك المؤسسات والتي لا تنفك تدافع بحجة أو بدون عن أخطاء مؤسساتها دون النظر لطبيعة الخطأ المرتكب وإنما لتحميل الطرف الآخر مسئولية الخطأ أو الموقف المشكل.
لابد لأي مؤسسة إن أرادت معالجة مشكلة ما أن تتبع جذورها وأسبابها لإيجاد حلول مناسبة لها، كما و يجب ألا تتحرج من تطبيقات أنظمة وأساليب إدارية حديثة من شأنها بحث مسببات المشكلة أو التقصير تمهيداً لعلاجه ولا أن تهاب نقاش الموقف أو الخطأ بالتستر عليه ومحاولة إنكاره ولا أن تقوم بتفويض إدارة العلاقات العامة لتنبري دفاعاً مستميتاً عن المؤسسة دون حتى علمها عن طبيعة المشكلة وغالباً ما يكون ذلك بعد إثارة المشكلة أو الخطأ بأسابيع ولو تم استغلال تلك الفترة التي يتم صياغة بيانات تلك الإدارات فيها في الدفاع عن الخطأ وتحميل الطرف الآخر أسبابه لكان كافياً لمعالجته، أما أن تستمر بنهجها في الدفاع المستميت فما ذلك إلا دافع لزيادة الخطأ واستفحاله.
برغم إيماني بأنه لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر إلا أنني أدعو القائمين على مطاراتنا الضخمة بمؤسساتها العملاقة البدء بتناول جميع الظواهر السلبية والعمل على وضع الخطط الكفيلة بالقضاء عليها، فبدون كشف المشكلة وإخراجها وتحديدها والاعتراف بها لن نستطيع يوماً حلها.
لا يمكن كما ذكرت آنفاً أن تتقدم مطاراتنا إن هي أبقت على ثقافة إهانة الناس وامتهانها لكرامتهم ومعاملتهم كالأنعام عبر مجموعة من موظفيها وموظفي الأجهزة الأخرى العاملة بالمطارات دون استثناء إلا من رحم ربي، لا يمكن لها أن ترتقي بخدماتها إن هي استمرت في إهمالها لأهم الخدمات المرجوة منها وما يصاحب ذلك من إساءة لسمعتها.
إلى لقاء قادم إن كتب الله.