Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/05/2010 G Issue 13757
السبت 15 جمادىالآخرة 1431   العدد  13757
 
مجلس التعاون الخليجي.. فوق الرسميات
د. علي بن شويل القرني

 

ما يحدث بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي هو أكبر مما نقرأه في الصحف ونطالعه في وسائل الإعلام.. المواطن الخليجي هو فعلاً مواطن واحد داخل ست دول خليجية، فلا نشعر ونحن نتحرك

داخل هذا الكيان الكبير بالغربة بل نحن نعيش بين إخوة وأخوات لنا تربطنا معهم وشائج الدم والعقيدة والعروبة وعلاقات المكان والزمان والتاريخ والمصير الواحد.. ولا شك أن تأسيس مجلس التعاون الخليجي منذ ثلاثة عقود وحتى اليوم يعد أبرز إنجازات الوحدة العربية، وهو ملحمة تاريخية بنيت على أصول وقواعد وأسس راسخة دون أن تكون موجهة ضد دولة أو كتلة سياسية.. فالمجلس ولد من الخليج، ورعاه أبناؤه المخلصون للأرض والتاريخ، وأبناؤه الذين يسعون لخدمة كل الأبناء وكل من يعيش على أرضنا الخليجية..

لا أريد أنا أخوض في رسميات المجلس، وهي كثيرة وتعرض لإنجازات كبيرة، وحققت خطوات واسعة.. ولكن أريد أن أخوض في غير الرسميات التي نجدها بيننا، ونعيش معها في كل يوم، ونتداولها في كل مناسباتنا.. لقاءات الإخوة التي تجمع قادة دول المجلس وتربط بين كافة مسؤولي هذه الدول.. لا نشعر أبدا عندما نراهم بيننا أو نراهم في أماكن عامة إلا أنهم إخوة حقيقيون، يكنون لبعضهم البعض كل الاحترام والتقدير.. ونعلم أنهم لا يفرقون بين مواطنيهم ومواطني باقي دول المجلس في أي موضوع أو اهتمام أو قضية.. ولهذا نعيش فعلا تجربة حضارية غير مسبوقة بين اتحادات أي مجلس آخر في العالم.. فغير مجلس دول التعاون الخليجي توجد اتحادات، لكن ما يربطها هو نظام وقوانين ومواثيق بين دول تلك الاتحادات والمنظمات.. أما مجلس التعاون، فهو أكبر من المواثيق والقوانين والأنظمة.. فهو روابط نفسية ووجدانية واجتماعية لا تتوافر بين باقي الاتحادات العالمية.. فعندما يجلس مواطن من قطر إلى جانب مواطن من السعودية أو الكويت، أو مواطن من الإمارات مع مواطن من البحرين وعمان فلا تشعر أبدا أن المتحدثين من دول مختلفة أو من مجتمعات مستقلة، بل العكس تشعر أنهم أبناء وطن واحد، وشعب واحد.. قلوبهم إلى بعض، وهمومهم مشتركة، ومشاعرهم مخلصة، وعلاقاتهم صادقة..

مجلس التعاون الخليجي هو وحدة سياسية وشعبية تصب في خدمة المنطقة العربية والإسلامية، وهو كيان أثبت أنه مبني على ما هو أقوى من روابط الاتحادات الرسمية الأخرى في العالم.. لأنه مبني في أساسه على روابط لا تنفصل بحكم السياسة، وروابط دائمة لا تتغير بحكم مستجدات العالم، وروابط متينة لا تتأثر بكل متغيرات الواقع المعاش.. ما يربط بيننا هو أكبر من كل الروابط، وأعمق من كل المشاعر.. هو اتحاد شعبي في أساسه، وتحول إلى اتحاد سياسي فيما بعد.. بينما الاتحادات الأخرى هي سياسية في أساسها وتحولت إلى اتحادات شعبية، وقد تغير السياسة ما بنته الشعوب فيما بينها.. أما مجلس التعاون الخليجي فهو وحدة شعبية متصلة عبر التاريخ والمكان.. وترجم هذه الوحدة قادة دول المجلس وحولوها إلى كيان مؤسسي يعكس مجموع طموحات المواطنين ويترجمها في عمل مؤسسي مستمر..

ما حدث في الأيام الماضية بين عبد الله بن عبد العزيز وبين حمد بن خليفة بخصوص الإفراج عن السجناء السعوديين في قطر هو تجسيد لهذه الروح، وانعكاس لعمق العلاقة وأواصر المحبة بين القائدين الكبيرين.. لم يكن مستغرباً أن يطلب قائد كبير مثل الملك عبد الله بن عبد العزيز وهو الحريص على مواطنيه وشعبه، من أخيه الشيخ حمد بن خليفة أن يفرج عن عدد من المسجونين.. ولم يكن مستغرباً من أمير بحجم حمد بن خليفة كبير في طموحاته لشعبه، وكبير في اهتمامه بأواصر الأخوة وعلاقات الجوار بين دول المجلس أن يتفاعل مع طلب الملك عبد الله ويفرج عنهم فورا..

نحن والحمد لله نعيش مرحلة نوعية ومستمرة من العلاقات المتميزة بين دول المجلس، وعلاقات محبة وأخوة بين جميع أبناء شعوب هذا المجلس، وهذه في أساسها علاقات مبنية على علاقات أصيلة، وخصائل عربية صمدت على أرضنا وتاريخنا.. ونحن نعلم أن ما حدث بين القائدين الكبيرين هو ترجمة لما قد يحدث بين أي شخصين في منطقتنا الخليجية.. فالكرم وتعبير الضيافة وخدمة الآخر وتقديم الغالي والرخيص هي خصال نعتز بها، وهي أساس ما نتعامل به مع الآخرين.. فمن هذه الجزيرة ولدت معنا خصال نبيلة وتربينا على حب التضحية وتقديم الصالح العام، والإيثار، وحب الآخرين..

المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود


alkami@ksu.edu.sa

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد