لم تزل نبرة الشكوى ملازمةً لبعض مثقفينا، ولا أعلم هل هذه النبرة هي جزء من شجونهم الحالم أم أنها قطعة من وجدانيتهم (المتواضعة) التي لا تفتأ في الظهور بين الفينة والأخرى لتكون امتداداً لحالة النواح التي اعتادوا عليها في ذات الزمان والمكان.
لا أجد بُدًّا من الاعتراف أن حالة الثقافة في بلادنا ليست بأحسن حال فما زالت تمشي بعكاز أعوج بحاجة إلى من يقومه قبل أن تُعالج تلك الساق المكسورة فمازال الوقت مبكراً على الهرولة والجري !، أذكر أني في سلسلة (مسيرة) سألت الأديب سعد البواردي في الجزء الثالث من حواري معه في العام 1428هـ عن واقع الثقافة (المحلية) ومستواها - وهو الشخص الذي لا تعرف المجاملة طريقاً إليه - فأجابني بقوله: (تراجعنا كثيرا أو بمعنى أصح تقوقعنا!، وأصبح ما نطرحه ليس ما نقدر على طرحه ففي الستينيات والسبعينيات كان لدينا هامش الحرية أكثر وكانت لدينا القدرة على أن نطرح أفكارنا دون أن نصطدم بالواقع ويصطدم الواقع بها فيحدث الشق، الآن يبدو لي أننا نتراجع فليست لدينا القدرة في أن نقول ما نريد.. ليس خوفا مما نريد، فما نريده هو بناء المجتمع وبناء الإنسان وبناء العقل ولكن هناك معوقات قد تحدث لك شرخاً أو تعطيك شيئا من الرهبة فتتقوقع حول نفسك وحول ذاتك فتقول وأنا مالي..؟!)؛ فعلاً المعوقات ترهبك وتجعلك تقول: (أنا مالي) وبالرغم من كل ذلك إلا أنني أرى بوادر بيضاء تلوح في الأفق تجبرنا على الخروج من هذه القوقعة الصغيرة لنكون معنيين بكل شأن ثقافي (حي) في هذه البلاد.
منذ سنين والمناسبات الثقافية في بلادنا تطل من نافذة الإعلام (المتلفز) على استحياء شديد كما لو لم تكن تلك الاحتفاليات جديرة بالاهتمام والطرح (المباشر) استمر ذلك حتى ولدت القناة الثقافية الفضائية السعودية الفتية فاكتسبت الاهتمام والاستحقاق من خلال متابعتها (الدقيقة) لمناسبتي معرض الرياض الدولي للكتاب والمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، فكانت بتقاريرها وبثها استطلاعها هي سيدة الموقف فتجاوزت مثيلاتها من الفضائيات المحلية والعربية وهاهي الآن تبادر - مع كل إمكاناتها المادية المتواضعة - إلى خلق روحٍ جديدة وضاءة ستسهم في رسم وجه مضيء ومعالم حية مشرقة لثقافتنا المضطهدة، وكل ذلك ما كان له أن يكون لولا الوقفة الجادة والعمل الدءوب من قبل طاقمها المخلص وعلى رأسهم الزميل الأستاذ محمد بن إبراهيم الماضي مدير القناة الثقافية الذي استطاع خلال وقت وجيز أن يقول للعالم وبصوت الثقافة السعودية (نحن هنا).