للموت دلالات، ليست وحدها التي يفزع لها المرءُ، يصرخُ ويحزنُ، يفقدُ ويدفنُ، ومن ثَمَّ يجلس للعزاء، وما يلبثُ أن يمسحَ دموعَه، ويعودَ سيرته الأولى...! ذلك الموت الحق حكمة الله تعالى في خلقه..، وهو الموت الذي بعده البعثُ، والنشور، والحياة الأبدية في نعيم أو سعير..
الموت يحدث أيضاً في حياة الإنسان ذاته وهو يدب بقدميه على الأرض، يموتُ كثيراً ولا يحيا أبداً إلا إن عرف أسباب موته، وأدرك نجع حياتها ..
ما تقول فيمن لا يعرفه جاره القريب..؟ ولا قريبه اللصيق..؟ من ذكره معدوم في أفراح أهله وأتراح من حوله ..؟ من ينطوي على نفسه ويسعى لمتعها، ومن يعول في فاقة لكلمة طيبة أو دور واضح..؟ من يجلس معك وهو ليس معك..؟ من تحتاج إليه فيتهرب منك خشية لوم الناس له ..؟ أو استجابة لبخل النفس..؟ من هواه يقصيه عن بلسمة جروح تصله نداءات الأنين منها ..، وكأنه لا سمع له، وتعبر بعينيه مآسي الآخرين وهو لا يملك ما يقدمه وإن كان لمسة رفق، أو كف دفء ..؟ أليس مثل هذا دلالات موت ..؟ .. فكل من لا حياة له، ولا أثر منه فإنه ميت..، وإن الموت يعيث في أركان دوره، ومواقع خطوه...
الإيثار للنفس دون الآخر موت، والبخل موت، والتوحج موت، والأنانية موت، وحب الذات موت، وهجر المواقع حين لابد من ارتيادها موت، ونكران القريب، وهجر القربى موت، إذ كل ذلك فراغ النفس من الوجدان والقلب من الشعور، والعقل من الحكمة ..، فما يبقى في الإنسان.., ؟ أهي الحياة فيه هي نبض عروقه بالدماء فقط ..؟ أو أن حركة الأعضاء في الجسد آلية هي مؤشرات الحياة في غياب أفعال القلب والعقل والوجدان..؟
لا تكتمل الحياة للإنسان إلا حين تحيا فيه نفسه وقلبه وعقله... وإلا فإنه يعيش الموت قبل أن يفنى ..