Al Jazirah NewsPaper Friday  28/05/2010 G Issue 13756
الجمعة 14 جمادىالآخرة 1431   العدد  13756
 
الأمن الفكري... واجب الخطباء
يوسف بن سليمان الهاجري *

 

تتنوع معاني الأمن التي يحتاجها المجتمع، فهناك الأمن النفسي والاستقرار الأسري وهناك ما يسمى بالأمن الغذائي وأمن الصحة الوقائي وكذلك الأمن البيئي، والزراعي مما يوفر حياة سليمة من الأمراض العدوى, وعلى صعيد أخر هناك الأمن العقدي، والدعوي، والفكري، والعقلي، والعلمي، والاقتصادي وكذلك الأمن العسكري، والسياسي. فالحاجة إلى الأمن بكافة صوره وأشكاله من أهم الحاجات الفطرية التي لا يمكن أن يكون سلوك الإنسان سوياً بدونها، وكما أنه لا حياة للبدن إلاّ بإشباع حاجاته الفطرية، كذلك لا حياة ولا سرور ولا قرار ولا استقرار للقلب والنفس والروح إلاّ بهذا الأمن.

بيد أن هذا الأمن نعمة وعد الله تعالى بها عباده الذين يعبدونه ويوحدونه ويذبون عن دينه ويحمون حماه، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}, كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -حرص على بيان هذا المعنى فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا).

ولقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب لإرساء قواعد الإيمان الصحيح الذي يقوم على سلامة الاعتقاد والقول والعمل ولا يكون ذلك إلاّ بسلامة القلب الذي هو بيت الفكر والإرادات والمشاعر وسلطان الجوارح ولن يكون القول سليماً مرضياً ولا العمل صحيحاً مقبولاً إلاّ إذا كان القلب سالماً لله عز وجل، سليماً من الآفات والعلل ورديء الهمات والعزمات قال تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم) ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)

إن الأمن الفكري حالة تشعر الفرد والمجتمع بالطمأنينة على ثقافته ومعتقداته وأعرافه ومكونات أصالته ومنظومته الفكرية المستمدة من الكتاب والسنة من أن يصيبها التشويه أو التشويش أو الاختراق أو الضبابية أو التعتيم, وإن الأمن الفكري هو السبيل الوحيد لبلوغ الأمة عزها ومجدها وإحرازها خيريتها واستخلافها وتمكينها أيما تمكين، فوحدة الفكر على عقيدة الإسلام تثمر وحدة الشعور بالمسؤولية والواجب وتحيي الضمائر وتدفع إلى المعالي فيتحقق للأمة سعادتها وفلاحها وعزها وكرامتها, وإذا كان الشباب هم عماد النهضة وأمل المستقبل فبالأمن الفكري نحميهم ونصونهم عن الشبهات وضبابيات الأفكار المنحرفة.

وواجب تعزيز الأمن الفكري بالمجتمع على الجميع من علماء ودعاة وخطباء ومعلمين ومربين ومصلحين وأولياء الأمور... إلا أنني أخصص حديثي هنا على ما يجب على الخطيب من دور في جانب تعزيز هذا الأمن الفكري حيث يحظى الخطيب بمكانة كبيرة بين أوساط المجتمع المسلم ويرتبط المسلمون معه كل أسبوع باستمرار ويستمعون إليه بإنصات بالغ ولذلك كان لابد عليه من بذل جهد مضاعف في تحقيق هذا الهدف في المجتمع وخاصة الشباب فينبغي على الخطيب أن يختار بعناية فائقة موضوع خطبته وعناصرها مع كيفية توصيل هذا الموضوع إلى الناس في هذا الوقت الوجيز ولا يغفل طريقة المعالجة بشكل صحيح لكي لا يقع الناس في الفهم الخاطئ أو الناقص.

كما ينبغي على الخطيب أن يحرص حرصا شديدا على غرس القيم الدينية والعقدية والفكرية والأخلاقية في نفوس الناس لكي يكون لديهم مناعة ذاتية ضد أي انحراف أو لوثة تقابلهم أو تصادفهم وخاصة في هذا الزمن الذي انفتحت فيه وسائل الإعلام على الناس من كل صوب, ومن المهم مراعاة جميع الانحرافات من إفراط أو تفريط وغلو أو تساهل ثم معرفة القيم التي تعالج هذه الانحرافات.

ويجب أن يراعي الخطيب الظروف التي تمر بالمجتمع وتحتاج منه إلى وقفة تجاهها كالتفجيرات والأعمال التخريبية والمفسدة أو قضايا المخدرات والقتل وغيرها فيعالجها مباشرة ولا يتأخر ويبين للناس المنهج الصحيح في مثل هذه القضايا مع ذكر الأدلة الصحيحة الشرعية, والخطيب الموفق الذي يأسر قلوب الناس بنصحه الصادق وكلمته الواضحة وأدلته القاطعة وبيانه الساطع وعلمه الواسع.

أسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ ولاة أمرنا ووطننا من كل سوء ومكروه والله يرعاكم.

* إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد