قد لا يعلم كثير من المصلين أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد هي من حدد مواضيع خطب الجمعة في الشهر الماضي، إذ مصادفة وقعت أربعة أحداث تطلبت أن يعمم على الخطباء بضرورة التحدث عن مواضيعها والتطرق إليها، وجاء نتيجة لذلك عِقدٌ متفردٌ من المواضيع التي تهم جميع طبقات المجتمع وتحاكي الهم الذي بات متقارباً لدى جميع الناس.
فقد وجهت الوزارة خطباء الجوامع إلى التحذير من آفة المخدرات إثر الضربة الأمنية الناجحة التي خلصت الوطن من براثن مئات آلاف الحبوب المخدرة، وهذا من المواضيع التي تهم كل أب يأخذ بأبنائه إلى مسجد الجمعة.
كما وجهت الخطباء إلى التوعية بأهمية التعداد العام للسكن والمساكن الذي تقيمه الدولة - أعزها الله - في الفترة الماضية، وقد صرّح بعض المسؤولين في التعداد عن اختلاف لمسوه في التعامل والوعي قبل وبعد تلك الخطب، وأن الجميع استمع إلى أثر هذا المشروع في مستقبلهم ومستقبل وطنهم، وأنه سنة نبوية إذ في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحصى له من تلفظ بالإسلام.
ثم جاءت فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية - أدامها الله مسددة - في تجريم الإرهاب والإعانة عليه، وأنه داخل في التعاون على الإثم والعدوان المحرم شرعاً، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من آوى محدثاً، فأخذ منه أن المحدث والمؤوي في الإثم سواء، فتحدثت المنابر بكلمة سواء عن هذا الخطر الداهم والشر المستطير، محذرين ومبلغين رسالة الإسلام والسلام إلى الناس كافة.
وإثر صدور إحصائيات المرور الأخيرة عن حجم الحوادث ووفياتها صدر تعميم من مقام الوزارة بضرورة توعية الناس بحرمة تجاوز الأنظمة المرعية، ووجوب الالتزام بما فيه صالحٌ للوطن والمواطن، والتحذير من المخالفة لما تفضي إليه من قتل للنفس وللآخرين وأذية في أرواحهم وذواتهم، وأن المخالف عاص لله - عزَّ وجلَّ - الذي قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) سورة النساء، وعاص له - سبحانه - بمخالفة أمر ولي الأمر لمأمور بطاعته وجوباً في قول الحق: {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء.
لقد كان هذا الشهر مضرب مثل في جمال تناسق مواضيعه، ونفى عن الوزارة تهمة رفض الخطب المعاصرة، وأثبت أن الخطاب الذي تتبناه الوزارة بقيادة وزيرها المسدد معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ هو خطاب يسعى لمصلحة المصلين أولاً، وأن الوزارة لا تمانع.. بل تطالب بتناول المواضيع العصرية التي تمس الحاجة إليها في كل آن، وأن التقصير - إن كان من تقصير - إنما هو من قبل الخطباء أنفسهم.
وأن من مدعاة السرور لدى قطاع عريض من الخطباء والدعاة أن تتبنى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مشكورة مسددة اختيار مواضيع خطب الجمعة، والإرسال بها إلى الخطباء مع مادة علمية حول الموضوع المقترح، لتكون مورداً أساسياً في كتابته للخطبة، وترسل أسبوعياً إلى الخطباء، دون إلزام بنص خطبة أو بكل مواضيع الخطب، وإنما تكون وسيلة إعانة لهم في اختيار الموضوع والكتابة حوله، ومما يؤيد هذا المقترح الزيادة العريضة في الجوامع، فأصبح من المتعذر على كل خطيب أن يستشير قبل كل خطبة، ومن المؤكد أن الناس لا يرضون أن يستأثر بعيدهم الأسبوعي شخص واحد، وأن مستوى الوعي في المملكة العربية السعودية بات متقارباً، مما يجعل توحيد عنوان الخطبة ممكن ومتيسر، كما أنه سيسهم بحول الله بإفادة الخطباء علمياً، وسيكون له أثر ملموس.
* خطيب جامع في منطقة الرياض