ورد في فضل عيادة المريض، وزيارته، أحاديث كثيرة.. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع)، وخرفة الجنة أي جناها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)، رواه الترمذي، وفي حديث آخر: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة)، والخريف هو البستان.
وكان صلى الله عليه وسلم يعود من مرض من أصحابه، وعاد غلاماً كان يخدمه من أهل الكتاب، وعاد عمه وهو مشرك، وعرض عليهما الإسلام، وكان يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول: (اللهم رب الناس، اذهب البأس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)، وكان إذا دخل على المريض يقول: (لا بأس، طهور إن شاء الله)، وكان يدنو من المريض، ويجلس عند رأسه، ويسأله عن حاله فيقول: (كيف تجدك)؟
وفي المقابل، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله - عزَّ وجلَّ - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟! يا ابن استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي) رواه مسلم.
وللأسف أن عيادة المريض، وزيارته، أصبحت من السنن المهجورة، وأصبحت قاصرة على القريب، والصاحب، وذي الجاه والمنصب فقط، في حين أنها فضيلة لمن عرفت ومن لم تعرف، وهناك ممن هم محرومون من الخير والأجر، فحتى أقربائهم لا يعودونهم في مرضهم، ولا يصلون أرحامهم حتى في مثل هذه الظروف.
وإذا كانت عيادة المريض، وزيارته، من السنن المهجورة الآن، فإن آداب الزيارة والعيادة، وتطبيق الهدي النبوي لها أصبح الآن ملحوظاً، وطغت عادات وألفاظ ليست من الهدي النبوي المأثور، كما أن هناك ظواهر سلبية في زيارة المريض، وهي ما أود الإشارة إليه.. ومنها:
إطالة المكوث عند المريض دونما طلب منه، والإثقال عليه، وحرمان أهله المقربين له من الجلوس معه.
رفع الصوت والقهقهة، وخصوصاً في الغرف التي تضم مجموعة من المرضى، ومع إزعاجهم، فإن المقام ليس مقام تهريج.
هناك من يقوم بدب اليأس في قلب المريض، مبتدراً إياه بقوله: (حللنا)، بمعنى يطلب التحلل منه، وكأنه جاء لهذا الأمر أولاً، مع ما يترتب على طرح ذلك من إشعار للمريض بقرب وداعه، بدلاً من بث التفاؤل له، والدعاء له بالشفاء، وهناك من يسأل المريض: هل كتب وصيته أم لا؟
من الظواهر السلبية أيضاً، تقمص أدوار الحكماء والأطباء، ووصف العلاج للمريض، وذكر حالات شفيت وخلق نوع من الاضطراب، وعدم الاستقرار لدى المريض، وأن مدة بقائه في المستشفى قد طالت، وعليه أن يتناول الدواء المعين، أو الأعشاب المعينة، وترك المستشفى، أو الانتقال إلى مستشفى آخر، وأن هذا المستشفى مقبرة، وهكذا دواليك.
تمني الشفاء من الزائر للمريض، والدعاء له سنّة، وحبذا لو كانت الأدعية وفقاً للسنّة، ولكن البعض أصبح يغفل الأدعية المأثورة، ويأتي بمصطلحات استقاها من قاموس الأفلام والمسلسلات، وعلى غرار (البقية في حياتك).
فئة من الزائرين لا تزال تقوم بأعمال سلبية النتائج في بعض الأحيان، حينما يحضرون أطعمة معينة ربما تكون غير صالحة لحالة المريض، وخصوصاً الأكلات الشعبية.
(زوار الوقت الضائع) هم أيضاً فئة من الزوار رغبوا في الأجر، وترتب على زيارتهم آثام ومحظورات، فهم يحرجون رجال الأمن في المستشفيات حينما يأتون آخر وقت الزيارة، أو بعد انتهائها، ويصرون على الوقوف في الأماكن غير المسموحة، أو المخصصة للمعوقين، أو يغلقون المنافذ، أو يحجزون سيارات الآخرين بالوقوف الخاطئ.
alomari1420@yahoo.com