قبل سنوات تزيد عن العشرين كلفت بالإشراف على صفحة بعنوان (استراحة الأسبوع) تعنى بإنتاج القراء الشباب والموهوبين من الشعر والخواطر وغيرها، وكان من بين زوايا الصفحة فكرة تحمل عنوان (أين تذهب هذا المساء) خصوصاً عطلة نهاية الأسبوع وكان بعض الزملاء يراهن على نجاح الزاوية لعدم وجود ما يمكن أن يجعلها تستمر ومن ذلك خلو الرياض وغيرها من مدننا من أماكن الترفيه والزيارات المتعلقة بالأنشطة الثقافية عدا أماكن ترفيه الأطفال، وكنا وقتها نتوقع أن نجد تعاوناً من بعض المؤسسات الثقافية ولكن ندرتها وعدم وجود الإمكانيات التي تساعد على التفعيل جعلتنا نتراجع ونوقف الزاوية، كنا نحلم أن يكون هناك برنامج للأسرة يضع فيه الأب أو الأم مواعيد لقضاء نهاية الأسبوع بين زيارة مكتبة أو مسرحية أو فيلم سينمائي (مع وقف تنفيذ الأخيرة) أو استبداله بمشاهدة برنامج أو فيلم على شاشة التلفزيون، وكما قد نشرنا بعضاً من العناوين ومنها زيارة حديقة الحيوانات ومتحف الملك عبدالعزيز وأشرنا أيضاً إلى بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية تحت عنوان (استمع هذا المساء)، وامتد بنا الحلم إلى الإشارة لمعارض تشكيلية كانت مقامة في تلك الفترة وبعد فترة لم نعد نجد ما يدفعنا لأن نلفت إليه النظر، فلا فعاليات ولا أماكن تُزار.
أنا هنا ومع ما أشك فيه من عدم وجود مثل هذه الثقافة في مجتمعنا أحلم أن نرى تزاحماً يومي الخميس والجمعة أو بعض من ساعاتها في قاعات المعارض التشكيلية وحتى متحف الملك عبدالعزيز فهناك بالفعل ما يستحق الزيارة ومنها في جانب الفنون التشكيلية قاعة (حوار) الواقعة بالدور الثاني والخمسين من برج المملكة وقاعة مركز الأمير فيصل بن فهد للفنون مقابل الإنتركونتننتال وغيرها كثير من المناسبات الثقافية في كثير من الأسابيع خلال السنة إلا أنها لم ولن تكون يوماً ضمن أجندة أي منا فلدينا ما يشغلنا ونجد فيه متسعاً للتسلية والهرج والمرج لنعود بعدها وقد تصدَّعت رؤوسنا من حكايات مكررة أو أحاديث تزيد الهم هماً ونحمل بها آثاماً تنوء بها الجبال.
من يزور المتاحف العالمية في أي من الدول الغربية يكتشف الفرق بيننا وبينهم، ومن يزور متاحفنا وقاعات الفنون في دولنا العربية سيصدم لخلوها إلا من العمالة أو الموظفين.
ومن الجميل غير المستغرب أن تجد إجابة بنعم حينما تطرح سؤالاً على سائق تاكسي في باريس عن متحف اللوفر مع ما يضيفه لك من معلومات ولو قليلة، ومن المؤسف أن لا تجد أي علم عند كثير من سائقي التاكسي في مصر عن متحف محمود خليل أو متحف الفن المعاصر أو سائق في الأردن عن المتحف الوطني للفنون أو غيرها من دولنا العربية بينما تجد معلومات كثيرة مملة عن مواقع الترفيه بمختلف الأذواق حتى الهابط منها.
أعود للحديث عن المتاحف والمعارض وقاعات الفنون التشكيلية هناك في الجانب الآخر من النهر التي تغص بالناس أطفالاً ورجالاً ونساء بمختلف الأعمار منهم الدارس والباحث وغالبيتهم من عشاق الفنون والباحثين عن ما يقتل الوقت ويضفي جديداً على الوجدان، أطفال تربعوا أمام اللوحات يمارسون هواياتهم ويرسمون بأقلامهم وأوراقهم ما أثار فيهم الدهشة وأشعل الحماس، وآخرون يلفتون نظرك من كل جانب بوميض فلاشات كاميراتهم ليلتقطوا ما يتوقعون عدم رؤيته مرة أخرى كونهم سياحاً قدموا إلى هذا البلد وغيره للثقافة ومعرفة كل شي في عالم الإبداع.
أحلام تتجاوز الواقع فتثقل العقل وتشعرني بالإحباط، كم أحسست بالألم وأنا أجلس أياماً طويلة بقاعة الأمير فيصل بن فهد أمام لوحات لمعارض متميزة ولفنانيها شهرتهم، مؤملاً في زيارة لتلامذة مدارسنا أو طلبة أقسام التربية الفنية بجامعاتنا فلا أرى غير الأجانب، غربيون يأتون بعائلاتهم ويترددون كثيراً لإعجابهم بفنوننا التي لا تجد من أهلها إلا الجفاء والتهميش أو زيارات لطلبة مدارس أهلية يقوم على تعليمهم أشقاء عرب يؤمنون أن مثل هذه الزيارات تعني الكثير لتنمية الحس والجمال واكتساب الخبرات لطلبتهم بينما غابت هذه الفعاليات والفرص على معلمي التربية الفنية السعوديين إلا حين يؤمرون ويوجهون بتعميم رسمي من إدارات التعليم.
إذاً فماذا وضعنا في أجندتنا هذا الأسبوع.. لا شيء!!
monif@hotmail.com