مع المسيرة العلمية، بشتّى صورها، والتطوّر بخطاه الوثّابة، التي تتسابق المملكة فيه مع الزمن، يقدّم معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر لمتابعي ذكرياته، والمهتمين بمشوار العلم في بلادنا، ولمحات العادات التي بدا يعفو عليها الزمن،
وهي جزء من عادات وشيم يُخْشَى عليها الاندثار، والتطور في الشؤون الخاصة والعامة، وما طرأ على كثير من الأمور في الحياة في بلادنا.
فيحرص المؤلف بسلسلته على رصدها، بالوقت والتأريخ، لأنه أخلى من التأريخ سِمَاتِه، بعد أن تخصص فيه علمياً، وسعى في توسيع دائرته «أكاديمياً» فتفاعل وأعطى بحظٍّ وافر، وما سلسلة ما يصدر عنه إلا سجل زمني للأجيال المقبلة.
نقول: إنه استجاب لجمهوره، وأعطى من جهده، وقليل من يفعل كفعله، بل لا يبخل بالنصح وحسن التوجيه لمن يستشرد منه. وما هذه الذكريات التي يتابع إبرازها أمام القرّاء، ومنها الجزء السابع عشر من: وسم على أديم الزمن «لمحات من الذكريات» إلا جزء ممّا يتحف به القرّاء، وقد سار في هذا الجزء، على منوال ما قبله من السلسلة، وقد خرج هذا الجزء في طبعته الأولى هذا العام 1431هـ/2010م، وبالشكل والمقاس والرّونق، والطباعة والمظهر العام، حيث قال في المقدّمة: هذا هو الجزء السابع عشر، من كتاب «وسم على أديم الزمن» أتى سائراً على نهج ما سبقه من أجزاء: من الحديث عن حياتي في الرياض، وعن عملي في جامعة الملك سعود بدءا من الجزء 12 من هذه السلسلة، وكأنه بهذا يعتبر هذه سيرة ذاتية بقلم الكاتب عن نفسه، وهذا نمط جديد في السّيَر.
ثم يقول: وهذا الجزء نسقه مثل نسق الأجزاء السابقة، يسجل بعض الأمور، ويحللها أو يعلق عليها أو يقدّم لها، أو يستطرد منها، إلى ما يؤمَّل أن يأتي بفائدة: إما بإضافة علم، أو تصحيح حقيقة، أو رصد لتأريخ، أو وصف لحالة، ويكون الهدف أحياناً التنويع، وإبعاد الملل، ففي هذا الجزء حوادث جديدة في طبيعتها، ولكنها لا تخلو من شَبهٍ، بحوادث سابقة، إلا أن لها ما يميزها تأريخياً، أو ظرفاً ومحيطاً، ثم قال في هذه المقدمة: وهذا الجزء ينقسم إلى قسمين:
الأول: منه ما سار على الطريقة التي اتبعت في الأجزاء السابقة. والثاني: خطابات حوت معلومات مفيدة، وموثّقة أكملت الصورة لتلك الحقبة، وهي تُعضَدُ بطريق، أو آخر، ما جاء في القسم الأول .(5-7).
وقد حدد في ص14 البداية مع بداية العام الهجري 1386هـ، وفي ص 252 وقف بالجزء هذا ليبدأ الجزء (17) - إن شاء الله- من محرم 1388هـ، وأول يوم سوف يوافق السبت الثلاثين من شهر مارس 1968م، بمعنى أن السابع عشر استحوذ على معلومات عامين هجريين.
ولما كان القسم الأول من هذا الجزء، كما ذكر المؤلف في المقدمة، يقع في 252 صفحة، ويحتوي على أحداث عامين، فإن فيه موضوعات مهمة ودسمة، واستحوذت ابنته عبير، على نصيب الأسد من هذا الجزء، منذ بدأ أول سِنّ لها ينبُت، إلى العناية بها وبأمها صحياً، ومتابعة إلى مشيها، ثم فطامها، والاهتمام بتسجيل صوتها، وصورها والاهتمام بالمصور الجيد. (186).
ولذا، نراه يقول: كم كنت أتمنّى أن والدي ووالدتي، سجَّلا عن حياتي ما سجّلتُ عن عبير، وما سوف أسجّله - أعان الله القارئ على متابعة نمو ابنتي الحبيبة، اليوم الأربعاء الحادي عشر من رمضان (13ديسمبر)، بدأ فطام عبير، وحرصتُ وحرصتْ أمها، أن ترضعها رضاعا طبيعياً، واليوم سوف ترضع رضاعاً صناعياً (ص210).
وفي ص 177 وما بعدها بصفحات، درس حالة طالب متعثّر، اشتكى إليه والده، المهم في المجتمع والبارز فيه، فكانت هذه الحالة، مواتية لكي يقارن بين جيلٍ وجيلٍ، وكل منهما ينتقد الآخر، وحلّل الموضوع تحليلاً نفسياً جيداً، استغرق عدة صفحات، جدير بالاهتمام والإفادة منه.
وفي ص 246 وما بعدها، عندما أخذ فيلما متحركاً، عند ستديو سمير الوحيد، في الرياض ذلك الوقت، جذبه ذلك للحديث عن الرياض وسرعة تطورها وترحيب الرياض بكل جديد، خاصة وأن رجال الأعمال والتجّار القادرين، اكتشفوا في الرياض، بل في المملكة كلها منجماً اقتصادياً، يُدرُّ أرباحاً طائلة، وضرب الأمثلة بالأسواق الجامعة المتوهّجَة، (السوبر ماركات)، وصالات الأفراح التي صار عليها إقبال، شجَّع على توافرها وتكاثرها، وأراحت الناس من تحكم صالات الفنادق، وبدرجة هادئة، دخلت الاستراحات، لتأخذ جزءاً من جمهور الصالات، فبرز دور اللَّمَّاحين لمناطق الازدهار (248).
وتحدث عن حرب إسرائيل مع جيرانها التي قامت في 26 صفر يوم الإثنين. وعن الإعلام الكاذب في مصر بتهاوي الطائرات العدوّة، التي تبين فيما بعد أنها تصفُ -للأسف- حقائق تهاوي الطائرات المصرية، فانقلب سرور الشعب العربي وفرحه إلى حزن عميق، وألم دخيل، وانكسارٍ مُتَناهٍ، عندما تبيَّنت الحقيقة، وظهر التضليل.. (174-175).
فكان في هذا القسم الأول موضوعات ذات أهمية يحسن بالقارئ تتبعها؛ حيث لا يسمح الحيز المتاح بالتنويه عنها، ومن ذلك متابعة أرضه، وأرض الجامعة التي حُوِّطتْ واستعان بالمهندسين المعتبرين، من خارج المملكة لوضع المعالم وتوزيع الكليات والمتطلبات، وحضور الاجتماعات في المجالس المتعددة، والولائم والدعوات، وهذه كثيرة ومنبثّة في داخل هذا الكتاب، التي تنبئ عن ترابط اجتماعي، كما أن به معلومات قيمة عن الجامعة وزوّارها، وما حرص عليه من تنظيم في الامتحانات، والكتب الإعلامية ومجالس الجامعات المتوفرة، لكنه لا يتحدث عمّا بحث فيها، ولعل هذا من حفظ الأسرار المرتبطة بالأعمال.
ويأتي القسم الثاني: الذي قال عنه: بأنه خطابات مفيدة، وموثَّقة مع التعليق عليها، ويبلغ عددها 54 خطاباً، استحوذت على 229 صفحة من ترقيم الكتاب، فبعضها طويل جداً وبعضها مختصر، ترتبط عادة بالعمل، فهذا خطاب متوسط سماه: خطاب المستشار الفني عرف به بقوله: المستشار الفني للجامعة الأستاذ مصطفى عامر الذي يرعى الأمور العلمية، أثناء غيابي في الإجازة الملحة، التي أتمتع بها الآن، وعن خطابه قال: وهذا خطاب منه يواصل إعطائي الأخبار العلمية أولاً بأول، والخطاب يوضح مسقط اهتمام الجامعة في تلك الأيام، وما يدور في الزوايا العلمية، والخطاب يعبّر عن نفسه، ثم أورده.. وهذا نصه، ومصدره: فندق اليمامة، الرياض.
الرياض السبت 8 رجب عام 1386هـ .. عزيزي الأخ الأستاذ الدكتور الخويطر تحية من القلب، وصلني خطابك بتاريخ 20 / 6، منذ يومين فقط، ومعنى ذلك أنه استغرق في الطريق مدة طويلة، إن كل شيء هنا على ما يرام، وقد اجتمعت اللجنة مرتين حتى اليوم، والدراسة منتظمة والحمد لله، ومشروع قسم التربية انتهينا من دراسته، ومرَّ في مراحله المعتادة، ابتداءً من مجلس الكلية، والقرار معروض على معالي الوزير، والدراسة لم تبدأ بعد، انتظاراً لحضور الطلاب الذين تختارهم الوزارة، أما خريجو الجامعة فلم يطلب منهم أحد القيد للآن.. وفي كلية الزراعة، أقرّت اللجنة مشروع المرحلة الانتقالية، من الآن (نظام جديد) والكلية تسير الآن حسب النظام الذي وُضِع لها.
كذلك انتهى موضوع القبول عامة، وتعالج الجامعة الآن موضوع الطلبة المحولين من الجامعات المصرية، وسينتهي موضوعه في الجلسة المقبلة مع مراعاة ظروفهم الخاصة بالطبع.. لَزِمْتُ الفراش بضعة أيام أخيراً، السبب انفلونزا حادة، ولكن الله سلَّم.
وزوجتي سوف تصل الرياض الثلاثاء 11 رجب، وفي الختام، لكم أصدق تحياتي. المخلص (توقيع) مصطفى عامر.
وعلَّق عليه بقوله: هذا الخطاب يكشف جانباً من اهتمامات الجامعة في تلك الحقبة، فإنشاء كلية الزراعة، جعل لبعض طلاب كلية الزراعة السعوديين في جامعات مصر ينتقلون إلى جامعة الرياض، والجامعة أخذت تهيئ لهم أماكن حسب سنوات دراستهم، ووزارة المعارف عندها نقص في المدرسين، وتريد أن تهيئ الجامعة لها ما يقابل حاجتها، وقد وُضِع ترتيب لذلك بإنشاء قسم للتربية تختار طلابه الوزارة.. ص 360 - 464.
ثم يأتي قسم الوثائق الذي استحوذ على مائة صفحة، هي رسائل أغلبها خطّي، ومنها ما يعتبر سرّياً في وقته، كموضوع المدرسين العراقيين، وما يدور حولهم من وشايات، فأحدٌ يتهمهم بالشيوعية، أو غيرها من الانتماءات، لكن وكيل الجامعة في كتابه للشيخ وزير المعارف، أبان له أننا نراقبهم، وأنهم صادقو الولاء للمملكة، ويثنون في كل مناسبة على المملكة التي استضافتهم، وأنهم مجتهدون في أعمالهم.
أما رسائل الدكتور الوهيبي -رحمه الله- فهي كما قال عنها، ممزوجة بالفكاهة، وأخبار زملاء الدراسة في بريطانيا، وفي إحدى رسائله يخبر عن شدة البرد، فيقول: الجو بارد جداً، وننتظر مهندس الشركة لتشغيل جهاز التدفئة، فادع الله لنا.
ومن بين الوثائق واحدة من إدارة شؤون الطلبة، عن المستجدين عام 76 -78 جاء فيها: الآداب 129 التجارة 86، العلوم 73، الصيدلة 11، الزراعة 36 المجموع 335، حتى يوم 5-7-1386هـ ثم التوقيع، وإذا قارنا هذا بما قيل هذه الأيام بأن بجامعة الملك سعود بالرياض مائة ألف طالب، يبرز الفارق الكبير ناهيك بما في الجامعات الأخرى، وضمن فترة زمنية قصيرة.