Al Jazirah NewsPaper Thursday  27/05/2010 G Issue 13755
الخميس 13 جمادىالآخرة 1431   العدد  13755
 
الصداقة عند المراهقات
ندى السلمان

 

لدى كل إنسان رغبات.. قد تدفعه للنجاح وقد ترمي به في حاوية الناس الفاشلين.. وهذه الرغبات منبعها هوى النفس.. أي ما تهواه النفس وتتمناه وتحب فعله.. والنفس دائماً تميل للأشياء السيئة، قال تعالى في سورة يوسف: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (53) سورة يوسف.

وكل ما هو محرم.. فهو سيء لأنه يسيء إما للجسد أو الروح.. وهذا ما أكدته الأبحاث العلمية الحديثة بفتوحاتها الجديدة حيث أثبت العلم مثلاً أن السجود يزيل ويفرغ الشحنات السالبة من الجسم وهي التي تضر به.. فكل ما نهانا الله عنه فهو لمصلحتنا وكل ما أمرنا به هو لمصلحتنا سواء فهمنا السبب أم لم نفهمه.. ولكن من باب الثقة بالله نحن نطيعه بكل ما أمر ونهى..

والمشكلة الآن.. أن المراهقين من بناتنا وأبنائنا.. يفتقرون لهذا التوجه بالطاعة الإلهية المطلقة.. وبالتالي فلديهم مشكلات ويريدون لها حلاً سريعاً وشافياً.. ونحن لا نقدم لهم هذه الحلول ولا نحاول مخاطبة عقولهم وضمائرهم ولا نحاول إقناعهم بالعدول عن أشياء خاطئة يقومون بها وهم يعلمون بأنها خطأ ولكنهم لا يجدون منها بداً وحلاً بديلاً يشعرهم بالراحة..

وموضوعنا اليوم عن المشاعر الجياشة التي تشعر بها الفتاة في فترة المراهقة فهي تشعر بحب كبير يكبر في داخلها وتريد أن تجد شخصاً تتقاسم معه مشاعرها وهنا نجدها تبحث عن صديق إن سمح لها المجتمع الذي تعيش فيه.. وإن كان مجتمعا مغلقا نجدها تبحث عن صديقة لتصبح هي الحبيب فتفرغ فيها كل الأحاسيس.. وهنا تصبح بين خيارين أحلاهما مر.. فإن أحبت شاباً مراهقاً مثلها فهو لن يتوانى عن استغلالها لأنه لم ينضج بعد عاطفيا ولا هي نضجت والمشكلة تصبح سيئة جداً عندما تكتشف بأنها أعطت مشاعرها لطفل لعب بها ولما ملها تركها ليذهب إلى غيرها.. والمشكلة في هذه العلاقات غير الناضجة بأنها تفتقر إلى الأسس المتينة التي تُبنى على أساسها علاقة الفتاة بالشاب كما يكون الوضع في الخطبة والزواج.. ففي أغلب الأحيان وفي العلاقات في سن المراهقة يكون الشاب ما يزال طائشاً يدرس وغير ناضج ولا يمكنه أن يفتح بيتاً وينشئ عائلة وغالبا ما يتركها حتى لو انتظرته لأنه سريعا ما ينضج عاطفيا ويشعر بأنه يحب صفات أخرى بفتاة أحلامه فيتركها بعد أن انتظرته عمراًً.. وفي كل حال ستدفع هي ثمن علاقة طائشة والتي ستجعلها تخسر احترامها لذاتها ومشاعرها البكر.. واحترام الناس لها وستبقى وصمة عار في حياتها لا تفارقها أبدا..

وأما الحل الأمَر.. فهو أن تبحث عن فتاة لا تثير علاقتها بها الشك ولا الريبة بين وسطها الاجتماعي وتتجاوز علاقتها بها حدود الصداقة بسرعة لتصبح علاقة حميمة أكثر، تتطور بسرعة مع عدم وجود الوعي الكافي ولا التوعية من الأهل أو المدرسة عن مساوئ هذه العلاقة المشوهة حتى تنجرف بتيار منافٍ للفطرة التي فطرنا الله عليها فينعدم التمييز بين الحلال والحرام.. بسبب نمو مشاعر مشوهة تدمر حياتها كزوجة فلا يعود بإمكانها العيش كامرأة ولا تسعدها المشاعر التي يقدمها زوجها لها لأنها اعتادت على مشاعر مختلفة و غير طبيعية تجاه فتاة مثلها فتختلف مفاهيمها وتتشوه مشاعرها وعندما تتمنى أن تعود طبيعية لتشعر بما تشعر الفتاة العادية لا تجد إلى ذلك سبيل..

هكذا تجد الفتاة نفسها ضائعة بين طريقين كلاهما مدمر.. ولا تجد أمامها الطريق الصحيح لأن أحدا لم يفتح عينيها عليه أو يلفت نظرها بأن هناك طريقاً آخر لم تنتبه إليه.. هو الحل الأمثل لمشاكلها وفيه تطمئن روحها وتسكن نفسها.. ولكن الكثير من الأهل لا يملكون الوقت أو القدرة على التحاور مع بناتهم فيكفيهم من الحياة أن يقولوا لهن افعلي ولا تفعلي.. دون النظر إلى حاجاتهن وأفكارهن وما يدور في عقل كل واحدة منهن وحاجتهن النفسية والجسدية والروحية..

ولكن هل يكفي أن أقول لابنتي هذا خطأ وأطلب منها أن تتجاهل آلاف الأسئلة والمشاعر التي بداخلها.. لا أكيد هذا لا يكفي.. بل يجب أن أتحدث إليها وأجيب عن كل تساؤلاتها ولا أعتبر هذا عيباً وأرفض التحدث فيه لأن الجيل الذي نتعامل معه الآن اختلف كلياً عن جيلنا نحن الأمهات.. فالآن ومع التكنولوجيا الحديثة وما أثارته من مشكلات لم تكن موجودة على زماننا أصبح وعي بناتنا أكثر انفتاحا منا عندما كنا في عمرهن.. لذلك يجب أن نعطي بناتنا المزيد من الوقت والجهد والتحدث في كل شيء والإجابة على كل التساؤلات بدل أن نترك الأمر للصديقات وللإنترنت لتجيب بأشياء لا تحمل مفهوم الحلال أو الحرام و الصح أو الخطأ فالإنترنت يطرح كل شيء دون تمييز أما الأم فإنها تعطي الشرح والتفصيل والحكم الشرعي فيه.. وهذه هي التربية..

والنقطة الأهم هي أن الفتاة لم تتعلم منذ طفولتها بأن تتحكم بعواطفها وبأهوائها.. فكما علمنا الله أن نهذب أنفسنا ونربي في أنفسنا القدرة على التحكم بأهوائنا وشهواتنا وحاجاتنا للطعام وغيره أثناء الصيام.. يجب علينا أن نعلم أبناءنا الذكور والإناث بأن لكل شهوة وقت فتبقى محبوسة في داخلنا حتى يأتي الوقت المحدد والطريقة الصحيحة التي نفتح لها الباب فيه لتنطلق وكي نستمتع بإطفاء عطشها.. ولا يمكن أن يحصل ذلك قبل الأوان كما لا يمكننا أكل الثمار قبل أن تنضج.. حتى تصبح ألذ.. ولا يمكننا حتى أن نأكل في كل وقت وكل شيء يجب أن نربي فيهم القدرة على تمييز الصح من الخطأ والنظام وأن أفكر قبل أن آكل حتى ولو كنت جائعا فيجب أن أختار وأبحث عن الأفضل دائماً..

ويجب أن نعلمهم أن كل إنسان يستطيع أن يتحكم بنفسه.. وعاطفته.. وحتى إحساسه بالجوع فيدرب نفسه على أوقات محددة لتناول الطعام وأنواع محددة منه وما يناسبه منه.. وكذلك العاطفة يجب أن نضعها في إطار العلاقات فلكل علاقة حدود تقف عندها.

وأن الروح والقلب يلزمنا أن نحافظ عليها نقية طاهرة ولا نطرحها على من لا يكون جديراً بها أو ننقلها من شخص لآخر حتى تفقد لونها وطعمها ولذتها.. وبعض الأمور في الحياة تحصل معنا مرة واحدة في العمر.. مثل الحب.. لذلك يجب على المراهقين أن يتركوا مشاعرهم مخبأة في داخلهم كجوهرة ثمينة لا يحصل عليها إلا من يستحقها ويعرف كيف يحافظ عليها وفي الوقت المناسب وللشخص المناسب.. وعندها سيستمتع بها في ظل علاقة مقدسة ترعاها عين الله التي لا تنام..

والصداقة هي من أروع العلاقات الإنسانية التي يجب أن لا نشوهها بأفكار شاذة تخالف طبيعتها وتتجاوز حدودها بل يجب أن نحافظ عليها لتستمر معنا إلى آخر العمر ولكن لندعها تعيش في بيئتها الصحيحة وضمن حدودها لننعم بها.. فلا أجمل من أن يملك الإنسان صديقا صادقا يدفعه إلى الخير و ينصحه ويبعده عن الشر ويحميه من نفسه الأمارة بالسوء..

وأود طرح اقتراح لتفعيل عمل المشرفة في المدرسة لكل فتاة قد لا تملك الوعي عند الأهل, لمساعدتها على إيجاد الطريق الصحيح بالنصح والتحاور دون خوف أو ترهيب ويفضل أن تكون من تشغل هذه الوظيفة دارسة للإرشاد النفسي كي يكون توجيهها مدعوم بالعلم والخبرة..

يتبع



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد