أتوقع أن يحُدث نظام (ساهر) المروري نقلة نوعية في واقع السلامة المرورية لدينا، خاصة ً أنه من المواضيع التي رفعت درجة النقاش الاجتماعي بشكل لافت على مستوى الطرح الإعلامي والنشر
الإلكتروني، كونه نظاما يرتبط مباشرةً بحياة الناس وجيوبهم كما يرتبط بتقنية عالية الدقة من حيث الرصد والتوثيق والمتابعة، لذلك كان من الطبيعي أن ينقسم الناس في نقاشهم حول (ساهر) بآراء متباينة ومتعارضة، وكأن هذا النظام يقول ما قاله الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها... ويسهر الخلق جرّاها ويختصمُ. الفارق أن المتنبي كان ينام فعلياً، و(ساهر) يفتح عيون كاميراته وكأنه نائم وهو يقظان.
جاءت الآراء حسب رؤيتي المتواضعة على أربع جهات، رأي (مؤيد) يعتبره أسلوباً حضارياً وتطويراً مرورياً يُسهم بمشيئة الله في تقليص المخالفات المرورية، وبالتالي يحد من حوادث المرور لأنه ُيلزم السائقين بتطبيق أنظمة السلامة المرورية والتقيد بتعليمات الطريق، ورأي (رافض) يراه مجرد نظام يهدف إلى تحصيل مبالغ مالية بطريقة قانونية وتقنية حديثة، أما الرأي الثالث فهو (مُترقب) الذي لا يهتم صاحبه بالواقع من منطلق أنه لا يستطيع الحكم على هذه التجربة أو النظام لأنه في بدايته، وقد تطرأ عليه تعديلات لاحقة، متوقعاً أن يتم تعديل (السرعات النظامية) في بعض الطرق لأنها (منخفضة جداً)، ما يجعل التقيد بها يسبب حالات اختناق مروري يُزيد الازدحام القائم في كثير من أرجاء وطرقات الرياض، أما الرأي الرابع والأخير فهو (متحفظ) على النظام من حيث التطبيق رغم أنه يؤيد الفكرة بشدة، بل يؤيد كل نظام صارم يحدّ من التهور في السياقة والمخالفات المرورية بسبب كثرة القتلى ومعدلات الإصابات المقعدة وكأننا في حرب شوارع والعياذ بالله.
عن نفسي لن أتناول أو أناقش الآراء الثلاثة الأولى بشكل تفصيلي، ف(المؤيد) قال كلمته بوضوح، و(الرافض) خلط أموراً ببعضها وكأنه يشير إلى نفسه في ممارسة المخالفات المرورية، أما (المترقب) فلعل له عذر أنه لا زال يتمعن في تطبيقات التجربة ويحاول تلمس أثرها على أرض الواقع. يبقى (المتحفظ) الذي يؤيد نظام (ساهر) من حيث فكرته واعتماده التقنية الحديثة الذكية، لكن وجه التحفظ لديه في اعتماد (تطبيق) هذا النظام الجديد بشكل سريع دون أن يأخذ حقه من (التدرج) العملي القائم على محورين، محور (التوعية الدعائية) على مستوى الصحافة والإعلام وملصقات الشوارع والإشارات المرورية والمراكز التجارية وغيرها من وسائل، التي توضح أهمية (ساهر) الوطنية، ومراحل تطبيقه في الرياض ثم المناطق الأخرى، ونوعية المخالفات المشمولة بالنظام، وكيفية تسجيلها بشكل آلي وتلقائي، وطريقة احتساب المبالغ ومضاعفتها، واحتياطات السائق في حال استعار أحد سيارته، فضلاً عن توعية سائقي المنازل ومشاكل سيارات التأجير إلى غير ذلك، لأن هذه المعلومات المهمة هي التي تجعل السائق (المواطن والمقيم) يُدرك تميز النظام ودقته وتقنيته العالية عن غيره من الأنظمة المرورية، وأنه ليس مجرد كاميرات منتشرة في الشوارع.
المحور الثاني وهو (التأهيل التجريبي)، أي تعريف السائقين بنظام (ساهر) عن طريق التطبيق العملي (التجريبي) لمدة شهر على أقل تقدير، أي ترصد كاميرا المرور مخالفة السائق، ومن ثم تبعث برسالة نصية إلى جواله ُتحدد فيها المخالفة التي ارتكبها، سواءً سرعة أو قطع إشارة أو غيره، وأنه تم توثيقها في النظام دون أية غرامة مالية، مع تنبيهه أنها ستحتسب هذه الغرامة في حال تكرارها، من هنا يشعر أغلب السائقين إن لم يكن جميعهم بقوة نظام (ساهر) المروري ودقته عندما يلاحظون أنه يرصد المخالفات بشكل متقن وسريع، فيتولد لديهم شعور بوجود الرقيب على الطريق. خصوصاً أن لم يتم تطبيق نظام (ساهر) إلا بنسبة (10%) حتى الآن، في ما يسمى (المناطق السوداء) أي التي تكثر فيها الحوادث حسب ما قاله مسئول المرور الذي استمعت إليه في إذاعة الرياض قبل أيام، كما أن لدى المرور تجربة سابقة عندما استطاع تكريس أهمية (حزام الآمان) عن طريق التطبيق العملي الإرشادي عند الإشارات المرورية وفي نقاط التفتيش قبل أن يبدأ الحملة الفعلية للتقيد بحزام الأمان واعتبار عدم الالتزام به مخالفة مرورية صريحة.
Kanaan999@hotmail.com