كنت وما زلت حتى لحظة كتابة هذا المقال أتابع ما تكتبه الصحف عن المؤتمر الدولي الأول للتراث العمراني في الدول الإسلامية، والذي شرف برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واحتضنته جميع مناطق المملكة من خلال فعاليات صاحبت إعلان انطلاقتها أصحاب السمو أمراء المناطق وشارك في صياغة مفرداتها الهيئة العام للسياحة والآثار والجامعات السعودية وعدد من المهتمين بهذا الباب الواسع من أبواب إرثنا التاريخي المجيد، وفي ذات الوقت كنت وأنا أتابع أسأل نفسي سؤالاً ربما طرحه غيري من قبل سواء على نفسه أو في جمع من الناس: ترى هل هذا الاهتمام المجتمعي الرسمي والشعبي بتراثنا العمراني وإرثنا التاريخي لحظي مؤقت أم أنه سيأخذ صيغة الديمومة والاستمرار، هل هو مبني على قناعات متأصلة لدى شريحة عريضة منا نحن من يشارك في هذه الفعاليات أو يكتب عنها ويتحدث حولها، أم لأن خلف هذا المشروع العملاق والرائد رجل فذ وشخصية متميزة وعلم منارة، يهوى ركوب الصعاب، ويعشق خوض التجارب، ويهِيم في منازلة التحديات، وحبه للآخرين وتواصله مع الجميع وتشجيعه لكل عمل جاد واحتفاؤه بكل فكر نير ولدّ حب الغير له والتفاعل الكامل مع ما يطرح من رؤى ومشاريع وما يسوِّقهُ من تجارب وأفكار، طبعاً ليست هذه هي المرة الأولى التي أطرح على نفسي هذا التساؤل وعن ذات الشخصية، فلقد دار في خلجي نفس السؤال أو قريب منه حين كنت أتابع جهود سموه في رعاية المعوقين، بل ربما ذهبت إلى أبعد من ذلك يوماً ما وأنا أتمعن في صورة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز وهو يجري تجربة كرسي الإعاقة المعروفة!!. إن تراثنا العمراني جزء أساس من هويتنا وعنوان كبير من عناوين تاريخنا المجيد ومع أن الزائر لكثير من بلاد العالم يستطيع أن يقرأ التاريخ في جدرانا المدينة وربما داخل بيوتها وفي أزقتها وممراتها الضيقة ومستشفياتها ومدارسها التي مضى عليها قرنان أو يزيد إلا أن زائرنا لن يجد شيئاً من هذا وللأسف الشديد، والقارئ الجيد المحايد في التراث الاستشراقي سيجد أنه لابد وأن يعترف بأن المستشرقين قد أجادوا في تصوير ووصف بيوت أجدادنا ومدنهم الطينية الرائعة والتي تدل على صفاتهم وسماتهم وخصائصهم الاجتماعية والثقافية بل هي عنوان هويتهم ودلالة خصوصيتهم كما سبق وأن أشرت، ولعل من زار جبه مثلاً تلك المدينة القابعة وسط النفود شمال حائل المدينة ودخل إلى بيوتهم الطينية القديمة قرأ بعضاً من معالم تراثنا الذاتي الذي يجب أن نفتخر به، إن الاهتمام الأكبر - كما يقول أحد المستشرقين-( ينصب عند الأهالي على مجلس الرجال وربما أخذ مساحة ثلث البيت تقريباً) ومثلهم في هذا النهج عدد من أهالي المدن الحائلية التي زرت، وربما وجد غير هؤلاء كثير في بقية مناطق المملكة ومدن عالمنا الإسلامي، وسبب ذلك الكرم الذي يسري في عروقهم منذ الصغر وتقدير الضيف ومنزلته في نفوسهم واجتماعيتهم ومناسباتهم المتعددة، لقد سلبت الطفرات الاقتصادية المتتابعة هويتنا العمرانية في المملكة العربية السعودية ، والذي يذكر بداية صندوق التنمية العقاري كيف كان المهندس المشرف يجبر المواطن على وضع البلكونة والمصمم يخطط البيوت تخطيطاً لا يمت إلى ماضينا ولا حتى إلا حاضرنا بصلة، وقد لا يتناسب واحتياجاتنا الحقيقة، وما زلنا كما كنا، وهذا انعكس سلباً على قيمنا السلوكية داخل مجتمعاتنا الصغيرة، إنني وأنا المهتم بالشأن الثقافي أتطلع إلى أن يكون ضمن أولويات المهتمين بتراثنا العمراني سواء المحلي منه أو الأممي التركيز على البعد الثقافي، ومحاولة قراءة تاريخ مدننا بشوارعها ومساجدها وطرقها وبيوتها ومؤسساتها قراءة ثقافية نتعرف من خلالها على سر وسبب أخذ هذه المدينة هذا الشكل التخطيطي دون غيرها ولماذا كان داخل البيت مفتوح وتطل عليه جميع الغرف ولم يكن حاله كحال مساكننا اليوم ومثل ذلك كثير، عوداً على بدء شكراً من القلب لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان ولا فض فوك فالتراث العمراني الإسلامي العظيم وكما قلت : (يمثل رمزاً لتفوق الحضارة الإسلامية، وعناية المسلمين بعلوم العمران، ودليلاً على تقدمهم المعرفي والعلمي، وشاهداً حياً على تميزهم في مختلف مجالات الفنون والحضارة) وإلى لقاء والسلام.