ما من عاقل يعارض أهمية الاستعانة بالتقنية في تطبيق النظام وضبط إيقاعه، ومعروف منذ الأزل أنه لا يمكن أن يتحقق الضبط إلا من خلال تطبيق الأنظمة على الجميع بحزم، ولكن في المقابل، هناك خطوات رئيسة للتقليل من آثار أي إشكالية معينة والحيلولة دون أن تصبح ظاهرة، وليس بخافٍ على من يتعامل في حل أي مشكلة اجتماعية أن هناك خطوات مهمة يجب تفعيلها للحدّ، أو على الأقل للتخفيف من آثار تلك المشكلة، وتلك الخطوات هي: الوقاية، المكافحة، والعلاج.
وكان من المفترض ألا يُطبق نظام (ساهر) مباشرة دون أن تكون هناك إرشادات مرورية كافية، سواء ما يتعلق منها باللوحات الإرشادية في الشوارع، أو ما يتعلق بنظام (ساهر) نفسه؛ حيث يتعين قبل تنفيذ النظام أن تسبقه توعية شاملة تبين المقصود به، ومتى يبدأ في تسجيل المخالفة، سواء عند الوقوف أمام الإشارة الضوئية، أو في تقاطع، أو في الاتجاه إلى اليمين، أو دخول الدوار... وغير ذلك من الأمور المهمة التي يجب أن تكون معروفة بين الناس حتى لا يقعوا في المخالفات.
إنَّ ما دفعي إلى الكتابة في هذا الموضوع هو كثرة ما يدور من أحاديث في المجتمع حول تسجيل المخالفات المرورية المتكررة في شوارع معينة؛ حيث ذكر أكثر من شخص أن هناك من سجّل عليه ثلاث مخالفات في يوم واحد، وعندما اتصل بالمرور تبيّن له أن تلك المخالفات كانت في شارع واحد؛ نظراً إلى أنه تجاوز السرعة المحددة في هذا الشارع؟!
ويذكر آخر أن أحد زملائه وصلت مخالفاته إلى (4000) ريال في وقت قصير جداً.. إلى غير ذلك من الروايات التي يكاد من يسمعها ألا يصدقها أو يظن أنها من المبالغات التي اعتاد البعض على ترديدها. وقد قُدّر لي ذات يوم أن أسلك ذلك الطريق الذي أخبرني أحد الأصدقاء بأنه سُجِّلت عليه ثلاث مخالفات متتالية فيه، وذلك لتجاوزه السرعة، وحرصت على تتبع اللوحات الإرشادية التي تحدد السرعة المسموح بها في هذا الشارع، فوجدت في جزء من الشارع إشارة مرورية مكتوبا عليها (70)، وأدركت أنها السرعة المحددة، فالتزمت بها، وواصلت سيري على الطريق، فاعترضني تقاطع رئيس، فتابعت السير واستمررت إلى أن اعترضني تقاطع رئيس آخر في الشارع نفسه، غير أن ما لفت انتباهي هو أنني لم أجد أية لوحة إرشادية تحدد السرعة القصوى، سوى تلك التي وضعت في أول الطريق، وهذا يعني أن من سلك الطريق من التقاطع الأول إلى الثاني دون المرور ببداية الشارع لم تكن لديه أية معلومة عن السرعة المسموح بها في ذلك الشارع.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يُقال إن هناك مخالفة على تجاوز أو الوقوف في مسار المشاة عند الإشارات الضوئية، وهذا شيء جميل جداً، لكن ليت المسؤولين في الإدارة العامة للمرور - قبل الشروع في تطبيق هذه المخالفة على مرتكبيها - أن يقوموا بجولة على شوارع المدينة؛ ليروا بأم أعينهم كم من الشوارع في المدينة تم تخطيطها بطريقة نموذجية تستحق أن يطبق فيها نظام (ساهر). وللتأكد من تلك المعلومة عزيزي القارئ فعليك أن تسك (طريق الشيخ جابر) أو (طريق خريص).
وعوداً على بدء، فنحن نعلم وندرك أن ذلك المشروع مكلّف جداً، وأن حكومتنا الرشيدة - وفقها الله - لم تبخل على المشروع بشيء، وقامت بتنفيذه للحد من الحوادث، والحفاظ على سلامة المواطنين والمقيمين، ولكن هذه الأهداف السامية والنبيلة لم توضح للمواطن، ولم تهتم الإدارة العامة للمرور بالتسويق لمشروع (ساهر) باعتباره أحد أساليب الوقاية من الحوادث المرورية التي خلّفت مئات من الوفيات والمعاقين، ومنهم من استمر في غيبوبة سنوات، كلهم من ثروات هذا الوطن الغالي البشرية، وكم يُصرف من مبالغ في سبيل العلاج والتأهيل؛ ما جعل المشروع يبدو - في ظل غياب هذه التوعية بغاياته وأهدافه - وكأنه استنزاف لمقدرات المواطنين المالية لما فيه من مبالغة في كثرة المخالفات وارتفاع قيمتها المالية، وهذا ما يتنافى تماماً مع توجهات حكومتنا الرشيدة التي لا تسعى من خلال تطبيق (ساهر) إلى مضايقة المواطن وتغريمه مادياً، وإنما تسعى إلى ضبط حركة المرور في شوارع مملكتنا الغالية والحد من حوادث المرور ومآسيها.
ومن هنا أتمنى على الإدارة العامة للمرور أن تعيد ترتيب الأوراق، وأن تأخذ بأسلوب حلّ المشكلة كاملة من جوانبها الثلاثة: (الوقاية والمكافحة والعلاج)، وأن تسعى إلى تعزيز الجانب الإرشادي التوعوي، الذي يُعتبر من أهم الأعمال الوقائية، وذلك من خلال الآتي:
أولاً: العمل على أن تكون هناك إرشادات كافية على جميع شوارع المدينة، وحبذا لو كانت عبر لوحات مضيئة توضح فيها السرعة القصوى (70كم) مثلاً، ولوحات إرشادية - مثلها مثل تلك التي تدل على الاتجاهات وأسماء الشوارع - يُكتب عليها كيفية الوقوف، والدوران إلى اليمين، ودخول الدوار، والسرعة القصوى.. إلى غير ذلك من الإرشادات التي تساعد في الحيلولة دون ارتكاب الشخص لمخالفة.
ثانياً: الحرص على أن تكون هناك لوحات معلقة في المساجد والمواقف والمنتزهات... وغيرها من الأماكن التي يرتادها الناس بانتظام وكثرة وحتى في المطارات، ما دام الهدف السامي هو إرشاد المواطن والمحافظة على سلامته، وأذكر أن هناك لوحات في بعض المواقف في الدول الغربية توضح لملاك السيارات الذين يستخدمون الموقف، مكتوب عليها إرشادات واضحة للوقاية من سرقة السيارة وترشد المالك إلى اتباعها، وهي من خلال تلك اللوحات توفّر الكثير من الجهد والوقت والمال في سبيل مكافحة جريمة السرقة.
ثالثاً: حبذا لو قامت الإدارة العامة للمرور بتطبيق (ساهر) مرحلياً وعلى شوارع معينة في بادئ الأمر، كذلك الشوارع التي اكتمل فيها التخطيط بما يتوافق مع نظام (ساهر)، وتكون هناك في كل زاوية من الشارع لوحات إرشادية يعرف منها المواطن والمقيم أن ذلك الشارع مطبق فيه نظام (ساهر)، أما بقية الشوارع التي لم يكتمل تخطيطها فلا مانع من وضع إرشادات وتطبيق جزئيات من النظام بما يتوافق مع تخطيط الشارع واللوحات الإرشادية الموجودة فيه.. وهكذا إلى أن يتم تطبيق النظام بصورة عامة.
رابعاً: إعداد حملات إعلامية توعوية، تبث عبر وسائل الإعلام الجماهيرية (التلفاز والإذاعة والصحف)، توضح للمواطن أهمية تطبيق هذا النظام، وسمو أهدافه وغاياته، وآليات تنفيذه، والنتائج المرجوة منه، حتى يتحول إلى مشروع وطني يحرص الجميع على تنفيذه وتطبيقه لجني ثماره، وليس مجرد مشروع عقابي تأديبي فقط.
أدام الله على بلادنا أمنها واستقرارها في ظل حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني.