وهدأت عاصفة الرياض.. وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي.. وغيض الماء.. واستوت على الجودي الأمور.. وهدأت النفوس التي أدركت أن المشكلة تنحصر بالدرجة الأولى في المحدودية الكبيرة لشبكات التصريف وعدم تغطيتها للمدينة، وما نتج عنها من مشاكل وقد تبين أن التبعة والمسؤولية تقع على كاهل وزارة المالية في عدم اعتمادها للبنود والمبالغ الكافية لتغطية هذه البنية المهمة، وأن الأمانة أدت ما عليها في المطالبات المستمرة طول الأعوام المنصرمة بتزويدها بالاعتمادات المالية اللازمة لهذا الشأن دون جدوى تذكر.
وبكل موضوعية وعقلانية فإن ما حصل في الرياض وكنا نتمنى أن لا يحصل أي أمر يعكر الصفو لم يصل بحمد الله تعالى إلى مفهوم الكارثة - كما سماها البعض تجنياً وحيفاً، ومقارنته بما حصل في جدة من كارثة حقيقية الذي هو بحق مأساة مؤلمة خلفت خسائر كبيرة وباهظة في الأرواح البريئة والممتلكات نتجت عن اعتماد مخططات سكنية في الأودية ومجاري السيول وما قيل تبعاً لذلك من الفساد الإداري والمالي في تنفيذ المشاريع.. إلخ، فهذه المقارنة غير واردة وفيها الكثير من عدم الإنصاف والتجني الواضح على الرياض وأمانتها ولا يمكن أن تقبل.
إن معايير الحكم على الأشياء والناس على وجه العموم يجب أن تخضع لمعايير العدل والإنصاف حتى لا يبخس الناس أشياءهم ولا ننكر إيجابياتهم ومحاسنهم، والله سبحانه وتعالى أمر بالعدل والقسطاس {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وأن لا نبخس الناس أشياءهم أو نتجنى عليهم، فتحميل أمانة مدينة الرياض ما لا تحتمل ولا يد لها فيه وهو عدم توفر الاعتمادات المالية الكافية، أمر يندرج في ذلك السياق وقد كشفه وأبانه صاحب الشأن والصلاحية الأمين سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز آل عياف، بكل شجاعة في مؤتمراته الصحفية التي أعقبت العاصفة الممطرة ووضع النقاط على الحروف بكل شفافية ووضوح، مما يبين أن فاقد الشيء لا يعطيه.. ولكن ربما صحت الأبدان بالعلل وتبدل الحال وقدمت وزارة المالية الأموال الكافية مستقبلاً لحل هذه المشكلة المهمة وهي بنية التصريف.. بعد الذي حصل مع شديد الأسف.
لا بد أن نشيد وننوه بكل إنصاف بجهود وأعمال سمو الأمين الدكتور عبدالعزيز آل عياف ومساعيه المتواصلة والمخلصة التي لا تعرف الكلل والملل لتقديم ما من شأنه خدمة الرياض وأهلها وتطويرها وتقدمها، وقد أثبت سموه ذلك بكل جدارة واقتدار وأعجب من البعض الذي نسي أو تجاهل ما تقدمه الأمانة ولا تزال من إنجازات وخدمات بلدية واسعة وتطور مستمر حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من مكانة مرموقة بين مدن العالم المتطورة والمتحضرة.. ولا يمكن أن تنسينا العاصفة ذلك السجل الحافل بالإنجازات والمشاريع المتعددة والتطوير المستمر الذي لا يتوقف.. الذي يقوده سمو الأمين بكل همة ونشاط.
لقد أصبحت الرياض بحمد الله ثم بفضل تلك الجهود الملموسة من عواصم العالم المتألقة والمتطورة، وشهد لها الكثيرون بذلك وليس أدل على ما نقول من حصول الأمانة وأمينها سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز عياف آل مقرن، على عدد من الشهادات وجوائز التميز محلياً وخارجياً منها على سبيل المثال لا الحصر: جائزة التميز كأفضل عاصمة عربية، وأفضل أمين.. ثم حصولها وفوزها بجائزتي منظمة المدن العربية في الخدمات الإلكترونية والتشجير.
وهي جوائز بالتأكيد لا تمنح إلا بعد استيفاء المنظومة التعليمية للشروط والمواصفات الفنية والقياسية الخاصة بعملية التقييم.
ولقد انقسم من كتب عن العاصفة ومطرها إلى قسمين؛ قسم تجنى وتحامل وركز على السلبيات وهي قد توجد في أي عمل بحجم عمل الأمانة وضخم ما حصل وبالغ مبالغة كبيرة ونسي الإيجابيات والإنجازات، وهذا أسلوب أقرب إلى التشفي وعدم الإنصاف، والقسم الآخر كان معتدلاً متوازناً في طرحه ومنصفاً تحدث عن مشكلة التصريف وما تبعها ولكنه لم يغفل جانب الإنجازات والإيجابيات والتطور الشامل.
ولعلي أذكر في هذا السياق مثلاً واحداً والأمثلة كثيرة:
فقد كتب الأستاذ الأديب الرائع دائماً حمد القاضي في زاويته (جداول) بعدد جريدة الجزيرة الصادر في 8-6-1431هـ بكل إنصاف مشيراً إلى أن موضوع مشكلة السيول يجب أن لا تعمي عن المنجزات البلدية الكبيرة التي أنجزتها أمانة مدينة الرياض التي لا تكاد تضاهيها مدينة بالمملكة على كبر مدينة الرياض واتساعها سواء ما يتعلق بنظافتها أو سعة وجمال طرقها أو على مستوى الصحة البيئية وعشرات الخدمات الرائدة التي قدمتها وتقدمها الأمانة. وذكر الأديب الكبير القاضي في كلمته ما نصه: «إنها كلمة حق أقولها بوصفي أحد سكان الرياض أن ما حصل يوم المطر لم يصل إلى درجة الكارثة كما وصفها البعض، بل هي مشكلة كبيرة أبرزها العرقلة المرورية.. إلخ» كما كتب غيره منصفاً للأمانة وأعتقد جازماً وبمشيئة الله تعالى أن تضافر جهود الأمانة والجهات الأخرى المعنية في المستقبل القريب سوف يعالج هذه المشكلة، أعني التصريف، وأن توجد لها الحلول السريعة وأورد بهذه المناسبة قصة طريفة قديمة لإمام في إحدى القرى قضى سنوات طويلة باذلاً نفسه وماله وجهده لخدمة جماعته في الإمامة والخطابة وإجراء العقود والتوثيق والإصلاح، وحدث في أحد الأيام أن تسرب ماء من منزل هذا الإمام على الطريق فأوجد شيئاً من الوحل فغضب عليه جماعته وشنوا عليه حملة شعواء بسبب هذا التسرب، فاجتمع بهم وأسمعوه ما يكره من السباب وقاسي الكلام أتدرون ماذا قال لهم قال لهم: يا جماعتي أنا كنت مجنداً نفسي لخدمتكم ليلاً ونهاراً قاضياً لحوائجكم ومعاملاتكم طوال عقود من الزمن، وكنتم تقدرون تلك الجهود وتلهجون بالدعاء والشكر لي ثم في لمحة بصر وبسبب قليل من الماء تسرب من منزلي عفواً قلبتم لي ظهر المجن وتناسيتم كل خدماتي وما قدمته وتعاميتم عن حسناتي التي كانت محل ثنائكم وشكركم.. أين كلمة الحق يا جماعتي اعدلوا هداكم الله هو أقرب للتقوى وكونوا أوفياء، فالوفاء من شيم الرجال فأدرك جماعة هذا (الإمام تجنيهم على إمامهم وخطئهم معه) فاعتذروا إليه وأصلحوا ذات بينهم.
أملاً أن لا يكون حال بعضنا مع أمانة مدينة الرياض كحال الإمام في جماعته.. فتنسينا وتعمينا العاصفة الممطرة أعمال وحسنات وإنجازات الأمانة وإيجابياتها المتعددة ومساعيها الشؤون المشكورة.
إن جهود الأمانة وفرق عملها وكوادرها على مختلف فئاتها بإشراف أمينها الخلوق ذي الشخصية الفذة المتفاني في أداء مهامه ومسؤولياته لا يمكن تجاهلها أو تناسيها في خضم العاصفة، فهي أشهر من أن تذكر أو تحصى.. وأقول للإخوة الذين تناولوا الموضوع ولم يوفقوا في الطرح فنسوا أو تناسوا الأعمال الكبيرة للأمانة هذه هي الغالية الرياض سفر مشرق كل صفحة وكل سطر فيه يحكي إنجازات مباركة، أو خدمة رائعة، أو عملاً تطويراً مبدعاً.. أو عطاء متألقاً إلا أن هذا الكتاب الرائع ذا الصفحات المتعددة يحوي صفحة واحدة فقط نتمنى لو لم توجد، عنوانها النقص الكبير في مشاريع التصريف، والتبعة والمسؤولية كما تبين تقع على عاتق وزارة المالية إضافة إلى بعض الأخطاء والهنات التي يكن تلافيها أحياناً في وقتها.. وسيتم إن شاء الله كما أسلفت قريباً تلافيها بعد الذي حصل.
ما قصدت بهذه الكلمة الدفاع عن الأمانة ولا أن أقول إن أعمالها بلغت حد الكمال أو أن أثني وأطري على سمو أمينها الأمير الدكتور عبدالعزيز العياف، وهو جدير بذلك أبداً لأنه محل التقدير والثناء من لدن الجميع وأعماله الكبيرة وأعمال الأمانة الملموسة خير شاهد ودليل، لكن ما قصدته وعنيته هو قول كلمة حق وعدل وإنصاف يجب أن تقال في هذا المقام وفي ظل هذا الخضم المتلاطم من النقد الذي يبتعد أحياناً عن الواقعية والموضوعية وينحى منحى التجني والتجاهل والتناسي، وإلا فإن النقد الهادف والبناء مطلوب دائماً.
وأقول قبل الختام لسمو الأمين الأمير عبدالعزيز لقد قدمت الكثير للرياض وأهلها، فواصل مسيرة الخير المباركة التي تقودها على بركة الله فنحن سكان الرياض تطلعاتنا كبيرة وطموحاتنا عالية لمدينتنا كما أنت، ونطلب المزيد والمزيد وأنت ومساعدوك وكوادرك الوظيفية قادرون بإذن الله بدعم من حاكم الرياض وعاشقها وأميرها الهمام سلمان بن عبدالعزيز في ظل هذه الدولة المباركة وقيادتها الرشيدة وفقكم الله ولن يتركم أعمالكم.
مدير عام فرع وزارة العدل بمنطقة مكة المكرمة سابقاً