كان لجامعة الملك سعود الريادة في خلق البيئة الجاذبة لمساهمات القطاعات المختلفة والشخصيات البارزة في تمويل البحث العلمي والتي تمثلت في تأسيس عدد من كراسي البحث العلمي في مختلف المجالات، هذه الريادة اتبعتها باقي الجامعات السعودية بجهد مماثل حتى بات لدي مجمل الجامعات السعودية عشرات الكراسي البحثية، وهذا الزخم من المساهمات الكريمة يبشر ببداية عهد جديد للبحث العلمي في الجامعات السعودية، نرجو أن يخرج منه ما يفيد العلم الإنساني ويرتقي بواقع الإنسان العربي، وكراسي البحث العلمي هي هبات مالية ترصد لتمويل بحوث علمية ذات طبيعة مكلفة، وتختلف عن المنح البحثية، فالكراسي البحثية تخصص لبحوث غير محددة في مجال محدد في حين أن المنح تقتصر على بحث محدد، لذا فكراسي البحث العلمي تمنح الجامعة حرية في توجيه التمويل للبحوث التي ترى فيها الفائدة أنفع.
إن دعم الحركة البحثية في الجامعات السعودية سيثري الدور العلمي والاجتماعي للجامعة السعودية ويجعل جامعاتنا علاوة على كونها مشكاة تنوير معرفي ومصدر تنمية حضارية، صروحا تنتج حلولا عملية لتحديات الإنسان السعودي، مما يؤهلها لتكون حجر الأساس في بناء وطن متقدم وشعب ينعم بالرخاء والطمأنينة، لذا يعول على البحث العلمي آمال كبيرة ويرتجى منه نتائج قيمة واضحة ومفيدة، ولذا فإنه من الأهمية بمكان أن تنظم عملية تأسيس وإدارة الكراسي العلمية بحيث توجه الوجهة المناسبة، وأن يصاغ لها عملية ضبط وحماية من الاستغلال أو الإهمال، ويناط ذلك التنظيم بجهة مركزية كوزارة التعليم العالي، التي يجب أن تتحول لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، صحيح أن كل جامعة قد صاغت لنفسها سياسة تحكم إدارة كراسي البحث العلمي ولكن تنظيم عملية تمويل البحوث العلمية بصورة شاملة سواء كانت كراسي بحث أو منحا بحثية سيوفر تلك الموارد المالية لتوجه بصورة تناسب الحاجة الوطنية والجهة الأقدر على تنفيذ البرامج البحثية المستهدفة، وتحد من احتمالات الإهمال والتسيب، فأي أثر سلبي سيقود إلى فتور المانحين وفقدان الثقة بجدوى البحث العلمي السعودي مما يقود لوأده في مهده وهو ما سيشكل كارثة معيبة للواقع الأكاديمي السعودي.
إن واقع إدارة عدد من كراسي البحث العلمي في بعض الجامعات لا يرقى لمستوى الضبط المالي المرجو ناهيك عن الضبط المنهجي لعملية البحث، ففي إحدى الجامعات السعودية كمثال هناك مسئول أو مسئولة عن البحث العلمي يقتنص مخصصا شخصيا من أحد كراسي البحث مبلغا من ست خانات سنوياً دون أن يكون له أي دور في البحث أو المساهمة فيه، وهناك العديد من أمثلة استغلال كراسي البحث في تخصيص مبالغ كبيرة للمشرفين والمساهمين في تلك الكراسي، حتى إن أحد أساتذة الكراسي الذي يشرف على أكثر من كرسي بحث يحصل على مخصصات من تلك الكراسي تفوق مخصصات مدير جامعته، إن هذا الإسفاف في استغلال كراسي البحث لا شك سيقتلها، فالواضح أنها باتت مصدر إثراء لقانصي الثروة من بعض الأكاديميين، حتى بات كثير من الأكاديميين يلهث خلف ذوي الثروات لإقناعهم بتخصيص كراسي بحث خاصة على أن ينص بالمنح إشراف ذلك الأكاديمي، والأنكى من ذلك أن يعقد عميد البحث العلمي بجامعة ما - ربما هو ذلك الذي يستأثر بمخصص سمين من كراسي البحث في جامعته - من بعض أعضاء الهيئة التعليمية اتفاقاً بموجبه يحصل العضو على حق الإشراف وتكوين فريق العمل لكرسي البحث الذي يستجلبه للجامعة.
هذه التصرفات في كراسي البحث العلمي تفتح باباً لفساد أكاديمي يجب أن يوصد منذ الآن، وأن يتم تطبيق معايير إفصاح شديدة الوضوح ليشعر الجميع بالمسئولية تجاه تلك الثروات التي منحت عن طيب خاطر لتذهب لتنمية البحث العلمي وليكن ذلك من خلال وضع تنظيم يلزم المشرفين على الكراسي بتقديم تقارير دورية تنشر للعموم حول أداء فرق العمل البحثية وكذلك مراقبة محاسبية دقيقة، كما أنه لا بد أن يخصص لكل كرسي بحث موقع على الإنترنت يبين المشرفين على الكرسي ونشاطاتهم البحثية وكل ما يطرأ من نشاط ونتائج تلك البحوث ويكون ذلك ميسرا للولوج العام بحيث يتاح لكل مهتم الاطلاع على ذلك، عندما يتم ذلك سيتشجع المانحون للمساهمة بكل طمأنينة وسيدفعون بموارد تحقق للبحث العلمي تنمية مستدامة.
M900m@gmail.com