فاجأني بسؤاله قائلاً: سمعت لك حلقات من برنامج قديم عنوانه: (من ذاكرة التاريخ) وجدت فيه من المعلومات عن بعض المواقف والمواقع التاريخية ما شجعني على توجيه هذا السؤال إليك، فهل تسمح لي بذلك؟ وبعد أن شكرته على مشاعره الطيبة، قلت له: تفضّل بالسؤال لعلّ الله أن يفتح بالجواب، وإلا فإن (لا أدري) نصف العلم - كما يقولون -.
|
قال: أريد أن أسألك عن موقعة يوم الأعشار متى وقعت، وأين وقعت، ومن هو قائد الجيش الإسلامي فيها، وهل هي بين المسلمين والروم، أم المسلمين والفرس؟ وسكت صاحبي بعد أن وجه إلى ذهني هذه الطلقات النارية من الأسئلة العصيّة، قلت له: هنا مقام (لا أدري) بامتياز، مع أنني أؤكد لك أنني لم أسمع بموقعة إسلامية تحمل هذا الاسم، ولك عليّ أن أبحث ثم أوافيك بما أصل إليه من معلومات.
|
يوم الأعشار؟ وما يوم الأعشار يا ترى؟.
|
ظلت أستذكر ما قرأت عن الغزوات والمواقع الإسلامية، والفتوح الكبرى في الشام والعراق ومصر وخراسان وغيرها فلم أجد في طيّات ذاكرتي ما يفيدني بشيء عن هذا اليوم.
|
ولم أجد بُدّاً من إعادة قراءة بعض المواقع الإسلامية الكبرى التي اشتهرت بأسماء أيامها المشهودة كالقادسية ونهاوند والبويب واليرموك وغيرها من المعارك التي أبلى فيها المجاهدون بلاءً حسناً، وظلّت أياماً حتى تحقق فيها النصر للمسلمين بإذن الله تعالى، وهي معارك فاصلة سميت أيامها بأسماء مناسبة للحالة التي عاشها المجاهدون فيها، ويسر الله أن أبدأ بالبويب التي جرت في العراق بين المسلمين والفرس، وكان قائدها الإسلامي المثنى بن حارثة الشيباني البطل المغوار، كما كان قائدها الفارسي (مهران الهمذاني) وهو من أبطال الفرس، يسّر الله أن أبدأ بهذه المعركة الحاسمة التي كانت في مقامها وأثرها نظيرة لمعركة اليرموك في الشام.
|
وأقول: جزى الله ذلك السائل خير الجزاء فقد أخذني بسؤاله في نزهة روحية فكرية رائعة، خرجت بها من ميادين الهزائم التي تعيشها أمتنا في هذا العصر، وابتهجت روحي بأخبار معركة البويب الكبرى، ومواقف أولئك الأبطال الذين حملوا معهم الحق والخير بين جوانحهم، فانتصروا على أنفسهم وأهوائهم وشهواتها قبل انتصارهم على الأعداء في ميادين القتال وساحات الوغى.
|
إن يوم الأعشار هو آخر يوم من أيام القتال في معركة البويب، وهو اليوم الحاسم الذي ألحق فيه المسلمون بالكافرين الهزيمة النكراء، وسمي بهذا الاسم لأنهم وجدوا مائة من المسلمين قد قتل كلّ واحدٍ منهم عشرة من الجيش الفارسي العَرَمرمَ، فأطلقوا عليه اسم (يوم الأعشار) ولقد كانت معركة البويب حاسمة لأنها كانت بعد معركة (الجسر) التي انهزم فيها الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيد الثقفي - رحمه الله - ولأنها مهدت للفتوحات الإسلامية الكبرى بعد ذلك في العراق.
|
هذا هو يوم الأعشار يوم من أيام معركة البويب، وليس اسما لمعركة مستقلة بذاتها، لقد وقعت هذه المعركة في السنة الثالثة عشرة للهجرة في رمضان المبارك، وكان ممن قتل فيها البطل المسلم (مسعود بن حارثة) أخو المثنى بن حارثة - رحمهما الله تعالى - وكان قائد المشاة، فقد أصيب بجرح غائر وظل ينزف دماً حتى نال الشهادة في سبيل الله - كما نرجو له ذلك - وقد صاح المثنى بالناس لما رأى مصرع أخيه قائلاً: «يا معشر المسلمين لا يَرُعْكُم مصرعُ أخي، فإن مصارع خياركم هكذا تكون».
|
اللهم هيّئ لأمتنا عودة إلى تلك الرّوح المتعلقة بالله دون سواه.
|
|
إذا ارتدى المرءُ ثوب الذلّ أكسبه |
يأساً وأسكنه في خيمة العار |
|