عندما تجتمع البلدان الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية في وقت لاحق من هذا الشهر في كمبالا بأوغندا في إطار مؤتمر مراجعة عمل المحكمة الجنائية الدولية فإن جدول أعمالها سوف يشتمل على بحث إمكانية تعديل النظام الأساسي للمحكمة لتمكينها من ممارسة سلطتها القضائية على جريمة العدوان.
كان بحث هذه المسألة قد تأجل عندما تم اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في عام 1998م.
واستناداً إلى خبرتي بوصفي مدعياً عاماً دولياً وواحداً من أشد مؤيدي المحكمة الجنائية الدولية فأنا أعتقد أن إضافة جريمة العدوان إلى اختصاصات المحكمة الآن يشكّل خطأً فادحاً. ولا بد من تأجيل هذه المسألة مرة أخرى.
لقد بدأت المحكمة الجنائية الدولية بداية قوية بكل المقاييس في توليد الدعم العالمي وإظهار قدراتها في معالجة مشكلة حصانة الجهات الرسمية وقدرتها على الإفلات من العقاب في جرائم دولية خطيرة. بيد أن المحكمة واجهت أيضاً اتهامات بالتسييس، وهي ما زالت تتعلم بوصفها مؤسسة كيف تمارس بفعالية سلطانها القضائي على جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
والواقع أن تجربة المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة (ICTY)، التي تناولت أيضاً الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لا بد أن تعمل بوصفها رسالة تحذير لأعضاء المحكمة الجنائية الدولية حين يناقشون ما إذا كان عليهم أن يضيفوا جريمة العدوان إلى اختصاصاتهم القضائية.
كان إقناع الرأي العام الصربي بأن المحكمة ليست مؤامرة ضد صربيا تحركها دوافع سياسية من بين أعظم التحديات التي واجهتني بوصفي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وكان هذا التحدي ليصبح أعظم - بل وربما كان ليصبح مستحيلاً - لو كانت اختصاصات المحكمة تشتمل على جريمة العدوان.
والواقع أن ضم جريمة العدوان إلى اختصاصات المحكمة كان ليلزمني بالتحقيق في قرار شن الحرب وما يترتب على ذلك من ملاحقات قضائية، علماً بأن قرار الحرب بطبيعته قرار سياسي إلى حد كبير.
وكانت محاكمة ذلك القرار لتؤدي إلى تأجيج الشكوك في وجود مؤامرة معادية للصرب، وأيضاً كان اختيار عدم محاكمة ذلك القرار ليؤدي إلى اتهامات مماثلة بأن المحكمة تمتنع عن أداء واجباتها بموجب تفويضها.
والواقع أن مثل هذه المناقشة كانت لتحول الاهتمام والتركيز بعيداً عن واجب توفير العدالة بكل نزاهة وفعالية وتحديد المسؤولية الجنائية عن الجرائم الخطيرة التي كانت ترتكب آنذاك ضد المدنيين في يوغوسلافيا السابقة.
الآن ليس الوقت المناسب لمجازفة المحكمة الجنائية الدولية بتوريط نفسها في جدال مماثل. والواقع أن القضايا التي قد تثار نتيجة للتعامل مع ادعاءات العدوان من شأنها أن تقدم المزيد من الذخيرة لمنتقدي المحكمة الجنائية الدولية، الذين يزعمون في الأساس أن المحكمة ليست أكثر من مؤسسة مسيسة.
فضلاً عن ذلك فإن المحكمة بوصفها مؤسسة شابة ما زالت في حاجة إلى الكثير من العمل فيما يتصل بالتحقيق على نحو فعّال وملاحقة الجرائم التي تمارس عليها اختصاصاتها بالفعل. ولا شك أن التعاون من جانب البلدان الأعضاء والعلاقة بين السلام والعدالة من بين القضايا الجوهرية التي تتطلب قدراً كبيراً من الاهتمام في كمبالا وما بعدها.
إنَّ التعامل مع جريمة العدوان الآن من شأنه أيضاً أن يفتح الباب أمام نشوب خلافات بين البلدان الأعضاء وغيرها من البلدان الداعمة للمحكمة. فعلى الرغم من سنوات طويلة من المفاوضات المعقدة فإن بعض الخلافات العميقة ما زالت قائمة بشأن قضايا أساسية ترتبط بتعديل النظام الأساسي فيما يتصل بمسألة العدوان، مثل موافقة الدولة وكيفية إقامة الدعوى القضائية.
من غير العملي أن نتوقع التوصل إلى الإجماع على مثل هذه القضايا في غضون الأيام المتبقية قبل اجتماع كمبالا. وأي محاولة لفرض القرار في غياب الإجماع من شأنها أن تفسد واحداً من أهم أصول المحكمة على الإطلاق: التضامن بين أعضائها في مواجهة الجهود الرامية إلى تقويض المشروع المتمثل في إيجاد آلية دولية فعّالة ومستقلة لتحقيق العدالة ومعاقبة المجرمين.
إنَّ مؤتمر مراجعة عمل المحكمة الجنائية الدولية في كمبالا لن يكون الفرصة الأخيرة لتعديل النظام الأساسي، وليس هناك ما قد يمنع أعضاء المحكمة من تناول هذه المسألة في أي وقت في المستقبل، ولكن يتعين عليهم أن ينتظروا على الأقل إلى أن تتمكن المحكمة من ترسيخ قدميها على المستوى المؤسسي وإلى أن يتم التوصل إلى المزيد من الإجماع بشأن القضايا ذات الصلة.
ريتشارد جولدستون زائر متميز من السلك القضائي
خاص بـ(الجزيرة)