في اعتقادي ثمة لبس يكتنف مفهوم (الحوار)، الذي ندعو له، ونؤكد على أهميته في صياغة آلية جديدة للتوافق بين أطياف المجتمع المختلفة، فالحوار وسيلة، غايته الوصول إلى نتائج عملية بين المتحاورين تفضي إلى تقريب وجهات النظر، وليست مجرد لقاءات للتعارف، أو محاضرات تلقى أو آراء تطرح للاستئناس ثم ينفض (السامر) ويعود كل منا إلى قناعاته السابقة لايتزحزح عنها قيد أنملة. هو هذا المشكل الذي أراه يهيمن على حواراتنا التي نعقدها بين الفينة والأخرى. الحوار دون شك مطلب ضروري نادى به ولي الأمر وحث عليه لتغيير بعض المسارات الفكرية المتغلغلة في نسق المجتمع السعودي، ولذا أنشئ (مركز الحوار الوطني) الذي أخذ على عاتقه تفعيل مفهوم الحوار كخطوة حضارية متقدمة لفتح آفاق جديدة إزاء الكثير من القضايا والأفكار التي تشكل هاجسا وطنيا ينبغي مناقشته. لكن السؤال: هل حققت تلك الحوارات الأهداف المتوخاة والتي ننشدها جميعا؟ ثم، ماهي آلية تلك الحوارات وأسسها ونتائجها؟ فالواضح أن الحوار القائم على المصارحة وقبول الآخر، واتساع هامش التسامح، والبعد عن التعصب، وغيرها من المحاور الهامة، بعيدة كل البعد عن أروقة المتحاورين، فأرضية الحوار التي نرمي الوصول إليها لم تفض إلى نتيجة ملموسة، بل ظلت مجرد لقاءات لاتقود إلى أفق جديد من تغيير المفاهيم لدى كل طرف، بحيث رأينا المتحاورين يخرجون وهم أكثر قناعة وإصرارا على مواقفهم السابقة. ثمة خلل كما أظن في آلية الطرح وفي القدرة على الانفتاح على الآخر، وفي الحرص على أهمية الوصول إلى نتائج. المجتمعات الإنسانية ومن ضمنها مجتمعنا في حاجة إلى تأصيل ثقافة الحوار وتفعيلها عن طريق جمع النخب الدينية والفكرية ذات الاتجاهات المتباينة لحوار حقيقي نصل من خلاله إلى نتائج ملموسة، نلحظها، لا مجرد لقاءات إعلامية لاتقدم ولا تؤخر، فالملاحظ أن المشاركين في تلك الحوارات السابقة لم يقدموا لنا ما يقنعنا بجدوى الحوار وقدرته علي تغيير المواقف والقناعات، بل لعلنا رأينا ما يشي بخلاف ذلك تماما، من خلال نغمة التمسك بالمواقف السابقة حتى ليخيل إلينا أن تلك الحوارات كانت لمجرد التعارف، والفسحة لا غير. الذي يهمنا هنا كمتابعين حريصين على أن يؤتي الحوار ثماره.. (النتائج)، فالعبرة بأي عمل هي النتائج المرجوة ومدى تحققها، ورغم الجهود المبذولة من قبل المشرفين على (مركز الحوار الوطني) لجعل الحوار لغة حضارية مهيمنة على المشهد المحلي، إلا أنني لم ألحظ تغييرا يذكر عما كنا عليه سابقا. صحيح أن مفردة (الحوار) اقتحمت قاموسنا اللفظي المحلي وباتت لفظا متداولا، والمطلوب الآن -في رأيي- أن نستغل رواج المفردة لترسيخ لغة الحوار في البيت والمدرسة والشارع والملتقيات المختلفة، فحيثما وجد (الحوار)، وجدت الحلول المناسبة لمشكلاتنا وقضايانا على اختلافها، لغة الحوار هي لغة الأمم الحية والمتحضرة!!
alassery@hotmail.com