صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز؛ حفيد المؤسس البطل؛ عاش محبوبا؛ ورحل محبوبا وبفجيعة كبيرة أحس بها من عرفوه ومن سمعوا بأعماله الخيّرة؛ وبقدر عظمة وعطاء الخير من الرجال تكون الفجيعة في قلوب الناس؛ وهنا تكمن صدمة الألم من فقد الرجال الذين لهم مآثر ومفاخر؛ وذلك فضل يؤتيه الله عباده أحياءً وأمواتاً.
في حفل كبير أقيم ليلة الثلاثاء وشرّفه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض؛ وذلك لصالح مرضى الكلى؛ كان صاحب الأمير فهد بن سلمان -رحمه الله- بارزا بكل كبرياء وحنان مع الحاضرين بالرغم من عدم وجود صورة له في الحفل؛ فالجمعية باسمه؛ والناس الحاضرون يعيشون رسمه وسماحة محياه ويرون وجه الرجولة والحب الذي عرفوه عنه -رحمه الله-؛ ومن هنا تبرز معالم الخير ورسوم الوفاء للرجال الأوفياء.
عادت بي الذاكرة لصورة وصوت ذلكم الأمير النادر فعلا؛ فهد بن سلمان الإنسان والذي يأنس محدثه بصفاء نفسه وتواضعه ونبض الحب والخير في كلماته ومحياه؛ كان مذيع الحفل يتحدث؛ وأنا قد وضعت يدي تحت لحيتي وأشاهد حديثا من ذاكرتي مع سموه -رحمه الله-؛ إذ كان آخر لقاء قبل وفاته بقليل؛ وكان حديثنا مشتركا؛ لكني أحسست أن محدثي يمتلك رصيداً من الحب عند الناس؛ واحترامه ليس لأنه حفيد المؤسس وابن أمير منطقة الرياض ذي الشعبية الجارفة؛ لا والله؛ بالرغم من استحقاقه ذلك؛ ولكن لأنه يرغم من يحدثه على أن يقف احتراما لأدب أمير شاب همّه فعل الخير لكل الناس؛ وما وقفته مع الإخوة الكويتيين أثناء أزمة الخليج والتي صارت أيامها حديث المجتمع إلا صورة من صور الوفاء عند حفيد الوفاء وابن وريث المجد والخير؛ أنفق سموه -رحمه الله- أموالا طائلة من ممتلكاته الخاصة لمواساة الإخوة الكويتيين أثناء الأزمة؛ فقد استأجر بيوتاً كثيرة وأسكن الكثيرين فيها؛ ورتّب لهم مصاريفهم اليومية بشكل باذخ ولائق بضيوف جاءوا هنا؛ ثم وقف أيضا مع مرضى الفشل الكلوي ودعم المشروع حتى وقف قائما يجني ثمار جهوده أولئك المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ثم وقفة الأوفياء؛ وحينما انتقل إلى رحمة الله لم يمت مشروعه؛ بل دعمه والده أطال الله في عمره؛ وتولى أخوه صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان موضوع الجمعية حتى باتت نشيطة وقوية تماري وتفخر بأعمال جليلة تقدمها لمرضى الفشل الكلوي؛ كزراعة الكلى والغسيل «انتشرت مراكز غسيل الكلى لخدمة المرضى» فكان جهد الأمير عبد العزيز جهدا لا ينكر ووفاء لرجل وفاء ترك له أخا يسد النائبات ويقول : إذا مات منا سيّد قام سيّد.
عادت بي ذكرياتي إلى سماحة ووفاء الأمير فهد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته؛ وعشت طقوس الحفل تلك الليلة مع رجل أحببت فيه جانب دماثة الخلق والتواضع وإنسانية الأمير الإنسان الذي أنقذ رجالا ونساء وأطفالا من مرض يعني الموت أو اليأس أو الاستسلام للعجز ثم الوفاة أيضا؛ وهو الفشل الكلوي أعاذنا الله وإياكم منه. أليس ما قام به الأمير فهد بن سلمان يستحق أن نعيش ذكراه بعد رحيله؟ فعلا تبرز معالم الصورة والحس والإحساس بها في لحظات يشرد الفكر والخيال فيها إلى شخوص بعيدة قريبة محبوبة.
رحمك الله يا فهد بن سلمان الإنسان الرائع وأسكنك فسيح جناته وجعل ما قمت به وأنت حي تزرق ولك صوت ينبض صدقا وحقا ووفاء؛ جعل الله ذلك في ميزان حسناتك يوم لا ينفع إلا ذلك الميزان الدقيق الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل.
حري بكل مريض من مرضى الفشل الكلوي وهو يأتي إلى غرفة غسيل الكلى أن يتذكر الأمير فهد بن سلمان ويدعو له من كل قلبه؛ فذلك أجدى وأحسن لمعطيات الوفاء والحب الذي تركه بعد أن غادرنا... رحم الله صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز وجعله من عباده المقبولين... آمين.
Abo_hamra@hotmail.com