Al Jazirah NewsPaper Tuesday  25/05/2010 G Issue 13753
الثلاثاء 11 جمادىالآخرة 1431   العدد  13753
 
الحبر الأخضر
كارثة
د. عثمان بن صالح العامر

 

عندما كنت مديراً عاماً للتربية والتعليم في مرحلة الدمج الأولى التي قيل عنها إنها لم تنجح وأثبتت فشلها، قيل مجرد قول بلا دراسة استقصائية ولا أبحاث ميدانية، المهم تم التوجيه للإدارة العامة من قبل مقام الوزارة بالإعلان عن التعاقد المؤقت مع معلمات متخصصات للتدريس وبراتب زهيد جداً ولوقت محدد وفي عدد من القرى والهجر البعيدة والتي ربما لا يعرف عنها الكثير منا أبناء المنطقة إلا اسمها فضلاً عن المسؤولين في الوزارة الذين بيدهم القرار وإليهم يرجع الأمر كله بعد الله، وكان العدد المطلوب محدوداً جداً إن لم تخني الذاكرة لا يتجاوز الخمسين، وبالفعل تم الإعلان وحددت التخصصات ومقار الترشيح من قبل شؤون الموظفين بالتعاون مع إدارة شؤون المعلمات، وكانت الصدمة.. إذ تقدم ما يزيد على الـ7000 خريجة، الكثير منهن يحملن درجة البكالوريوس بتقدير جيد جداً أو ممتاز، والبعض تخصصاتهن تخصصات علمية، كانت المفاضلة صعبة ولذا لم يكن بد من الاستعانة بفرع وزارة الخدمة المدنية والاعتماد على القوائم التي تصدر منه، كان هذا هو المخرج حينذاك فهو المرجعية التي يُحتكم إليها في التوظيف الرسمي، ولكن الأمر عندي لم ينتهِ عند هذا الحد إذ إن المشكلة في نظري كانت وما زالت ليست سد العجز المؤقت وبطريقة أبعد ما تكون عن المهنية فضلاً عن الجودة والإتقان، بل إن الإشكالية المتجذرة في نخاع المجتمع هي هذه البطالة التي لا نعرف معالمها ولا حتى واقعها بالشكل الصحيح والكامل، فهي بعيدة عن أعيننا ولذا كان نصيبها النسيان، إنها بصدق أرقام مهولة قابعة في البيوت تتجرع مرارة الحاجة وتشرب علقم الحرمان وتبكي تجاهل المجتمع وتتوسد شهادة الحزن التي لم ولن تسمن أو تغني من فاقة أو حاجة، حملت أوراقي إلى مكاتب المسؤولين أصحاب القرار، طرحت رؤيتي في الموضوع، كتبت عن بطالة المرأة السعودية، أكدت على أن الأرقام تزداد وبشكل تصاعدي مخيف، أشرت في ثنايا ما سطرت إلى أن هذا النوع من البطالة خاصة للفتاة التي لم تتزوج بعد وربما تقدم بها العمر أو حتى المطلقة باب مشرع لكثير من السلوكيات الخاطئة والأمراض المجتمعية التي قد تستعصي عن الحل إذا استفحلت، بينت أن متطلبات المرأة السعودية تفوق بكثير احتياجات الشاب السعودي خاصة في هذا العصر،وأذكر أنني حين حديثي مع معالي وزير التربية والتعليم السابق أعدت طرح ما سبق أن تحدث به فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين -رحمه الله- أمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -أمد الله في عمره وحفظه ورعاه- عندما كان ولياً للعهد من أن الحل الأمثل جعل نصاب المرأة نصف نصاب الرجل الذي همه وشغله الأساس التدريس خلاف المرأة ذات المسؤوليات المتعددة. واليوم نحن أمام مشكلة أكبر مما هي عليه في تلك الأيام إذ لم تعد الفتاة التي تحمل درجة البكالوريوس في التخصصات الأدبية هي من تعد رقماً في شريحة البطالة بل إن هناك من يحملن درجة الماجستير والدكتوراه وفي تخصصات علمية بلا عمل!!، وسيتخرج هذا العام والأعوام القريبة وفي عدد من الجامعات السعودية المهندسة والمتخصصة بنظم المعلومات وإدارة الأعمال و... كما أن هناك المبتعثات للدراسة في الخارج، فهل هناك في ذهنية المخطط وحقيبة الوزير ما يضمن تخفيف المعاناة ورفع هذا الغطاء الثقيل عن بنت حواء؟ إننا كما وصف سعادة الدكتور عبد الواحد الحميد نائب وزير العمل إزاء « كارثة»، نعم إننا أمام كارثة حقيقية وكرة ثلجية تكبر وتتعاظم مع الأيام، فوجود 78% من حاملات الشهادات الجامعية بلا عمل كارثة بكل المقاييس، وإعادة التأهيل كما يذهب إليه الكاتب المعروف عابد خزندار في زاويته «نثار» ليس هو الحل الجذري للمشكلة لأن إعادة التأهيل باختصار لا تعطي هذه المرأة الحق في دخول المنافسة على وظيفة ما حسب لوائح وزارة الخدمة المدنية، بل لابد من التخصص، والبطالة ليست فقط بالتخصصات النظرية بل حتى في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي والفيزياء وبقية التخصصات العلمية، إن وجود كاتبات عدل وموظفات في الأمن العام والأحوال المدنية والخطوط الجوية السعودية و... في أقسام نسائية خاصة صار مطلباً ملحاً وضرورة لابد أن تقدر بقدرها مثلها في ذلك مثل الأقسام النسائية في البنوك مثلاً، التجربة التي مر عليها سنوات ولا اعتراض!!، كما أن من الأهمية بمكان دراسة إمكانية افتتاح مكاتب هندسية نسائية خاصة، ومصانع ذات صلة بطبيعة المرأة واهتماماتها تقوم عليها المرأة من ألفها إلى يائها بعيداً عن وصاية الرجل وتدخله، ومستشفيات نسائية، و... الفرص عديدة سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو حتى الأهلي - المدني، خاصة أننا في عالم التواصل عن بعد ويمكن عن طريق النت والانترانت تبادل المعلومات ولو من مكان قصي، وإلى لقاء والسلام.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد