لن استرسل عن العرس المئوي الكبير الذي أقيم في حدائق غناء جميلة ورائعة تتبع لنادي فولهام اللندني.. بل سأتحدث فيما وراء الحفل.. أو خلف الكواليس إذا صحت التسمية.. فالحدائق الغناء التي تحيط بصالات الاحتفال الكبير.. تجعلك في حالة انبهار وانصهار مع الطبيعة الخلابة التي تنتشر حول النادي اللندني في قلب لندن وبمساحات كبيرة.. حيث يبلغ ثمن المتر الواحد يقدر بمئات الألوف من الجنيهات الإسترلينية.. أي بما يساوي ملايين الريالات.. ومع ذلك أبت عليهم حضارتهم العريقة.. وأبى عليهم القانون.. وأبت عليهم أيضا نظافة اليد.. مصادرة تلك المساحات الخضراء.. لمصلحة البناء المسلح والاستثمار التجاري والسكني.. ومنعت أي طامع فيها.. قد يتجرأ على ارتكاب إثم عظيم.. يحركه وحش الأنانية الكامن في بعض النفوس التي لا تشبع ولا تقنع.. ويحركها أيضا.. شرور شهوة المال وسطوته.. فاللهم أغننا بوجهك الكريم عما سواك.
لديهم الصحة وحرية الرأي والمساواة هي أقدس الميادين المشرعة للجميع.. فحدائق الله.. هي لعباد الله من كل لون وجنس ودين.. لم يصادر أحد حق أحد في الاستمتاع.. بنفس عميق مليء بالأكسجين داخل مدينة تضج بملايين البشر وملايين المركبات في الأرض والجو وفي نهر التايمز العريق.. ومع ذلك لم تتلوث كمدينة جدة على سبيل المثال.
قلت للزملاء قبيل بدء الحفل :إن أولئك القاطنين في جحور الحنق على المتفوقين هنا في فولهام اللندني وفي الليلة اللندنية.. بأنهم كلما تأملوا الحقيقة هنا.. كلما تألموا من الحقيقة الصارخة هناك.. فالهلال زعيم آسيا قد أضحى في توأمة حضارية مع ريال مدريد الأوروبي وكوتريكو الإفريقي و نادي بينارول مونتيفيديو الأمريكي اللاتيني ونادي ستابريسا الكوستاريكي عن القارة الأمريكية السكسونية ،ونادي ملبورن الأوقيانوسي.
في طريقنا من الفندق إلى قاعات الاحتفال.. وليست قاعة واحدة كما يود - من قتلتهم مشاعر الغيرة القهرية - أن يدّعوا بها.. كان الزميل الأستاذ عبدالخالق الزهراني وهو - فاكهة الرحلة - بطيبته ونقاء سريرته وابتسامته التي لا تفارق محياه.. كان يقول بلكنة (زهرانية) جميلة و(دمها خفيف).. يقول ما معناه: إن مثل هذه السيارة الفارهة التي نمتطيها لم نكن نراها إلا لماما في جده.. وإذا بنا نمتطي سربا منها في لندن.. وهذا السائق المتأنق أكثر منا.. لو رأيته في صحيفة لقلت هذا عمدة لندن.. مثل هذه الكفشات هي ما تجعل ضحكاتنا ترتفع بين الحين والآخر..حتى السائق يضحك ملء شدقيه.. وكأنه استوعب اللهجة الزهرانية الساخرة.
في مدخل الصيوان الطبيعي النباتي المحيط بصالات الاحتفاء العالمي.. فرش المدخل بالسجاد الأحمر.. وموسيقى القرب الاسكتلندية التي يتقنها أولئك القادمون من أدنبرة.. يتفننون في أنغامها احتفاء بالضيوف.. وعندما ترجل الأخ عبدالخالق من السيارة.. صدحت تلك الفرقة الاسكتلندية بالموسيقى وتركزت الفلاشات والكاميرات ومراسلي الوكالات نحو الأخ عبدالخالق الزهراني الذي تلحف بعلم المملكة العربية السعودية.. فكان موقع احتفاء عشرات المراسلين الأجانب.. وهو يلج إلى قاعة فسيحة وقف فيها المئات من الشخصيات الكروية العالمية.. ونحن من ورائه نتقاطر الواحد بعد الآخر.. وكان الأستاذ حسن الناقور -عضو شرف الهلال- موقع استهداف مصوري الحفل أيضا.. بطلعته البهية.. وعذوبة ألفاظه ولغته الإنجليزية عالية الجودة.. التي اكتسبها من الولايات المتحدة في دراسته الثانوية و الجامعية.. ومن إنجلترا عند تحضيره لدراساته العليا.
بعد الحفل الكبير.. تحلق مندوبو الفيفا ورجال الأعمال وبعض مسيري الأندية العالمية حول الدكتور علي بن حسن الناقور.. للتعارف وتبادل المجاملات التي تتلوا الأحداث الرياضية الأوربية الكبيرة.. فقد كان الدكتور موقع شكر وتقدير وعرفان من تلك الشخصيات الرياضية كداعم للحركة الكروية العالمية.
في حفل العشاء الكبير الذي أقامه المليونير السعودي الدكتور علي الناقور.. توافد عدد من الطلاب السعوديين الذين حضروا الاحتفال.. يملؤهم الأمل في الالتقاء بإخوان لهم قدموا من أرض الوطن.
كان أولئك الطلاب الهلاليون.. يحاولون إقناع الدكتور الناقور بالانضمام لشرفي الهلال.. بحجة أن الأهلي ناد ما زال يعيش في الماضي البعيد - حسب تعبير طالب اتحادي -.
كان الدكتور الناقور يبتسم وهو يقول : معليش أنا أيضا أعيش في الماضي وأعشقه، وابني حسن يعيش في الحاضر والمستقبل لذا فهو هلالي ثم يطلق ضحكة يتبعها بتنهيدة وكأني به يشكو من إحباط مزمن من أحوال ناديه الذي يتمنى الجميع أن يحدث فيه نقله نوعية وفكرية ونتائجيّة مع تولي الشاب الأمير فهد بن خالد رئاسة الأهلي.
الأستاذ علي الزمانان سكرتير أول السفارة السعودية بلندن يبذل كل جهد في تذليل أي عقبات طارئة تواجه السعوديين، وعلى وجه الخصوص الطلاب القادمين لحضور الحفل من مناطق أوروبا المختلفة.. فالرجل يستحق الاحترام والإشادة.
الزميل عادل النجار مسئول الرياضة في الرصيفة عكاظ.. مثال للشاب الرياضي المتكامل.. فهو لاعب كرة ماء متفوق وصحفي متزن ورائع وعلى خلق عال افتقدناه في بعض صحفيي هذا الزمن.
الزميل أحمد العجلان.. كم غبطت صحافتنا أن يكون فيها شاب بمثل هذه المواهب.. وهذه الكاريزما التي جعلته موضع اهتمام الجميع.. إلى جانب الأدب والخلق الراقي الذي يدل على أصالة معدنه وحسن تربيته.
المجنون الهلالي الأول حسن بن علي الناقور يناصره الزملاء سلطان المهوس وفهد الروقي وطلال الغامدي.. حيث أصروا على مشاهدة مباراة الهلال وفريق بونيودكور الأوزبكي في مقهى لندني يجتمع فيه الشباب العرب.. فتبعناهم.
الزميل فريد مخلص كان متفاعلا مع الهلال بدرجة لفتت الانتباه وكذلك الزميل عادل النجار..كما يوجد شباب عرب في المقهى أقنعهم مستوى الهلال على تشجيعه.. فوحدنا الزعيم في بوتقة وطنية وعربية قلما تتاح لفريق آخر.
بقي سؤال يردده السذج وهو كيف يحصل الهلال على لقب نادي القرن وعمره لم يتجاوز نصف القرن.. ونقول لهم: إن المسألة أبسط مما تتصورون.. فإنجاز الهلال في القرن الماضي الذي ينتهي بتمام العام 2000.. فهو أكثر أندية آسيا بطولات قارية وعلى جميع الأصعدة الآسيوية في القرن الماضي.. واليابانيون والكوريون اقتنعوا بالأمر لأنهم أمم متطورة ويستوعبون جيدا لغة الأرقام التي لا تتجمل ولا تكذب.. بينما البعض هنا ما زلوا يعيشون في حالة تأزم شديدة.. بينما قضي الأمر بتنصيب الزعيم فريق القرن لأكبر قارات العالم.
هذه بعض الخواطر التي بقيت في ذاكرة رحلة القرن لحضور عرس القرن وعريسها العربي الأصيل نادي الهلال السعودي.. وكل مائة عام وأجيالنا القادمة بألف خير.