يتردد هذا الدعاء (الله ينفع بك المسلمين) كثيراً على ألسنة المرضى الكبار في عياداتنا فور الدخول إلى عيادة الطبيب. أستمتع كثيراً لسماع هذا الدعاء الجميل وأقول آمين، وأحياناً أمازح بعضهم عندما أستلطف شخصه وأستشف سماحة طباعه فأطلب منه تعميم الدعاء بالنفع من الله لكل المرضى المراجعين بصرف النظر عن معتقداتهم. لكنني وفيما يشبه الإجماع أحصل دائماً على رد شبه متفق عليه هكذا: لا يا دختور هذولاك ما علينا منهم، علينا بس من المسلمين. أحياناً أسأل الداعي : طيب جزاك الله خير، حتى إذا كان الشخص المريض أخلاقه طيبة وقد ابتلاه الله بالمرض أثناء طلبه للرزق في بلادنا ؟. بعض الإجابات تكتفي بما سبق، أي لا شأن لنا بغير المسلمين، لكن بعض الردود تكون أكثر قطعية، كأن يقول المتحاور : هذولا يروحون لأهلهم وهم يعالجونهم. أستمر في الممازحة معترضاً لأنني حين أمارس الطب في بلدي فإنما أطبق ما تعلمته عند النصارى الغربيين في بلادهم وما تدربت عليه في جامعاتهم ومستشفياتهم وما طبقته على مرضاهم من العجائز والشباب والأطفال والنساء والرجال، وكل ذلك على أيدي أساتذة الطب النصارى في ديار النصارى . مرة أخرى لا فائدة، حيث يظل الداعي متشبثاً بطلب المنفعة العلاجية من الله للمرضى المسلمين فقط . غالباً ينتهي النقاش بضحكات متبادلة يليها البدء بإجراءات الفحص الطبي على المريض .
لكن .. ورغم بساطة الحديث وعفويته يبقى دائماً في قلبي شيء من التساؤل عن احتكار هذا الدعاء الحسن الصادر من قلوب طيبة لصنف واحد من المرضى ما دام هذا الدعاء مرتبطاً بطلب الشفاء، وليس بطلب الغنى أو التوفيق أو تحقيق المزيد من التقدم، الذي هم أصلاً ليسوا بحاجة فيه لدعواتنا. عشت في الغرب سنوات عديدة كطالب طب ثم كطبيب ممارس تعلمت منهم خلالها كل ما يعلمونه لأبنائهم وتدربت على الفحص والتشخيص وإجراء القياسات وسحب العينات والشد والربط والجرح والتعديل، وكل ذلك على عجائزهم وأبنائهم وبناتهم وأطفالهم . لا أذكر أنني خلال تلك السنين الطويلة تعرضت لمضايقات تذكر فلا تنسى، عنصرية كانت أو مذهبية، أو أنني لقيت رفضاً أو جلافة أكثر مما ألاقيه أحياناً هنا بعد عودتي إلى بلادي الأصلية . حتى القسيس كان يستأذنني في الدخول على المرضى لمنحهم ما يعتقده من بركات، لأنني الطبيب المسؤول عن العنبر، وهو يعلم أنني مسلم وعربي وهم نصارى وألمان .
لست بناكر جميل، ولذلك سوف أذكرهم بسماحة وجميل ما لقيته منهم وأدعو الله أن يشفي مرضانا ومرضاهم وكل مرضى العالم، أما حسابهم على ما في القلوب فعند الله .
أدعو الله أيضاً أن يجعلنا منصفين وقادرين على معاملة الشعوب والمذاهب الأخرى بمثل ما يعاملوننا به تماماً لا أكثر ولا أقل. أو ليست هذه هي سماحة الإسلام ؟.
الرياض