الثقافية - علي بن سعد القحطاني
|
ألقى الدكتور محمد حسن قجة ورقته عن (يوميات المتنبي في حلب) في خميسية حمد الجاسر وأدار اللقاء الدكتور محمد الهدلق وركز المحاضر على فترة التسع السنوات التي قضاها المتنبي في حلب التي عدّها ذروة مجده الأدبي وقال: يكاد يتفق الرواة والنقاد على أن المتنبي يمثل قمة الشعر العربي في شتّى عصوره، بمن في ذلك محبي المتنبي وخصومه والنقاد المحايدين.
|
وكانت فترة التسع سنوات التي قضاها في حلب ذروة مجده الأدبي، وحياته في شتّى جوانبها، وقد أخلص لسيف الدولة قلبه وشعره، وخلال هذه السنوات التسع وقف شعره على سيف الدولة وكل من يتصل به وكل ما يتعلق بشأن من شؤونه، فمدحه، ورثى أقاربه، وهجا خصومه، ومجّد معاركه وصحبه فيها، ولم يقل بيت شعر واحد في غير هذه الموضوعات، بينما نجده قبل سيف الدولة وبعده يقول الشعر في أناس كثر وعلى نحو واسع.
|
|
وتتبع الدكتور محمد حسن قجة حياة المتنبي في حلب خلال تلك السنوات وتوقف عند محطات مفصلية في شعره وشخصيته وهي:
|
- أسلوب حياته في حلب من خلال الروايات التاريخية.
|
- الشخصية التي تمثل الكبرياء في أعلى مظاهره.
|
- البعد الجهادي في شعره في تلك المرحلة.
|
- التساؤل حول (خولة والمتنبي).
|
|
اعتمد المحاضر في تتبع أخبار المتنبي في حلب على رواية ابن العديم في كتابه (بغية الطلب في تاريخ حلب) وقد أفرد في الجزء الثاني من الكتاب خمسين صفحة للحديث عن المتنبي، وانفرد بذكر أخبار لم ترد عند أحد سواه (ابن العديم ج 2/ 639 - 689) ومن جملة هذا الأخبار ما أنشده الأستاذ أبو علي أحمد بن محمد المعروف بمسكويه قال: أنشدنا المتنبي
|
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى |
عدواً له ما من صداقته بدُّ |
قال: قيل للمتنبي: على من تنبأت؟ قال: على الشعراء، فقيل لكل نبي معجزة فما معجزتك؟ قال: هذا البيت.
|
|
ووقف المحاضر في ورقته عند الشخصية التي تمثل الكبرياء في أعلى مظاهره وأورد لنا مقولة المستشرق الإسباني (اميليو غرسية غومث) حينما قال: (من الصعب أن نجد في الأدب العالمي كله شاعراً أشد اعتزازاً بفنه من المتنبي) وعلل الدكتور محمد حسن قجة العوامل التي أسهمت في تكوين هذا الكبرياء الفريد، وهي عوامل تتصل بشخصية المتنبي وعصره وبيئته والصراعات التي شهدها العصر، والدعوة إلى موقف عربي يناهض الشعوبية ومن هنا كان التوافق المذهل بين شخصية المتنبي وشخصية سيف الدولة وبيئة حلب الفكرية والجهادية في تلك المرحلة العصيبة من العصر العباسي. ولعل أبرز هذه القصائد التي أنشدها لسيف الدولة وفيها يقول:
|
أزلْ حسد الحساد عني بكبتهم |
فأنت الذي صيرتهم لي حُسّدا |
وما الدهر إلا من رواة قصائد |
إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشداً |
وفي قصيدته المدوية في عتاب سيف الدولة يؤكَّد المعنى نفسه:
|
يا أعدل الناس إلا في معاملتي |
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم |
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي |
وأسمعت كلماتي من به صمم |
أنام ملء جفوني عد شواردها |
ويسهر الخلق جراها ويختصم |
|
ركّز المحاضر على البعد الجهادي في شعر المتنبي من خلال مواكبته لمعارك سيف الدولة ضد الروم البيزنطيين الذين كانوا يحاولون الاعتداء على بلاد الشام من خلال الثغور الشمالية التي تشكل مناطق الدولة الحمدانية.
|
وفي واقع الأمر فإن تلك المعارك لم تكن إلا شكلاً من الحروب الصليبية المبكرة التي استفحل أمرها فيما بعد وشاركت فيها أوروبا بأكملها ضد المسلمين: شرقاً في بلاد الشام وسواحلها، وغرباً في الأندلس.
|
وفي هذا الإطار كانت قصائد المتنبي الجهادية التي فهم من خلالها أبعاد تلك الحروب، وألحّ على دور المسلمين وبخاصة العرب في مواجهة العدو البيزنطي، ورأى أن سيف الدولة إنما كان يجاهد مدافعاً عن بلاد المسلمين جميعاً.
|
|
ولاحظ المحاضر أن شعر المتنبي يخلو من الإشارة إلى أسرته إلا إذا استثنينا جدته الهمذانية التي خصها بواحدة من غرر قصائده ولا نعثر في شعره على ذكر لأبيه وأمه وزوجته وأبنائه. ويعلق الدكتور محمد حسن قجة على موضوع (قصة حب) بين المتنبي وخولة الشقيقة الكبرى لسيف الدولة ويقول: ليس لدينا معطيات تاريخية تؤكد ذلك أو تنفيه، ولكن يمكننا تتبع ذلك من خلال النصوص الشعرية للمتنبي، أما موقف (خولة) فليس هناك أية إشارة عن ذلك الموقف وعدم زواجها لا يكفي مؤشراً على أنها كانت تميل للمتنبي.
|
|