العنوان الكامل لهذا الكتاب هو: التاريخ السياسي لإمارة حائل: 1835-1921م، وهو من تأليف الدكتور جبَّار يحيى عبيد، وتقديم ومراجعة الأستاذ الكريم عبدالله بن محمد المنيف. وقد صدر.....
.....عن الدار العربية للموسوعات عام 1424هـ-2003م. وأصل هذا الكتاب رسالة مقدمة إلى كلية الآداب بجامعة بغداد جزءا من متطلبات درجة الماجستير في التاريخ الحديث عام 1407هـ-1987م بإشراف الدكتور إبراهيم خلف العبيدي.
وكانت معرفتي بتلك الرسالة -الكتاب فيما بعد- قد تمت في عام مناقشتها وإجازتها من اللجنة التي امتحنت كاتبها. وذلك بأن تكرَّم المشرف الفاضل عليها بإهداء نسخة منها إليَّ. وكان كاتبها قد اطلع على الطبعة الأولى من كتابي نشأة إمارة آل رشيد، الذي أصدرته -كما سبق أن ذكر في الحلقة الأولى- جامعة الملك سعود عام 1401هـ-1981م؛ إذ قال في المقدمة بعد حديثه عن المصادر:
«أما بالنسبة للمؤلفات الحديثة فيأتي كتاب ابن العثيمين نشأة إمارة آل رشيد في طليعة المراجع لكونه كشف كثيراً من الغموض الذي اكتنف نشأة الإمارة».
وكنت قد قرأت هذا الكتاب واتضح لي أنه:
1- لا يشير إلا نادراً إلى صفحات المصادر أو المراجع التي اعتمد عليها إذا كانت باللغة العربية.
2- أنه إذا أشار إلى اختلاف المصادر في مسألة معينة يورد تلك المصادر، لكنه لا يحدد في الغالب، من الذي قال بهذا ومن الذي قال بذاك.
3- يخلط -في كثير من الأحيان- بين الحوادث، فيضع ما تقدم بعدما تأخر منها.
4- يعطي حكماً عاماً عن أوضاع إمارة آل رشيد معتمداً على مصدر تحدث عنها في فترة معينة دون أن ينتبه إلى تغير مساحتها من وقت إلى آخر.
5- ينقل -فيما يظهر- عن الآخرين دون تأمل لما يحدث من تناقض بين ما يذكر في موضع وما يذكره في موضع آخر.
ويتكون كتاب الباحث جبار عبيد -كما نشرته الدار العربية للمطبوعات- من 263 صفحة مشتملة على تقديم ومراجعة بقلم الأستاذ الكريم عبدالله المنيف، فمقدمة، ثم فصول خمسة، فخاتمة، ثم قائمة بالمصادر والمراجع. وسيقتصر الحديث في هذه الحلقة على ما ورد في التقديم للكتاب.
1- قال الأستاذ الكريم عبدالله المنيف في تقديمه للكتاب (ص6): «هذه الدراسة، التي بين أيدينا، من الدراسات المبكرة التي تناولت التاريخ السياسي لإمارة حائل.. وهي من الدراسات الجيدة، التي استفاد منها الباحث محمد عبدالله الزعارير، ولم يشر إليها لا في بحثه ولا في قائمة مصادره لكتابه، الذي جاء بعنوان إمارة آل رشيد في حائل، ونُشر عام 1977م، وكان في أصله رسالة علمية».
أما القول بأن تلك الدراسة من الدراسات المبكرة في موضوعها فقول لا غبار عليه. وأما القول بجودتها فقول له احترامه. والقارئ لهذه الدراسة يمكن أن يحكم على ذلك. ومما يحسب نقطة إيجابية لها أنها كانت، في الأصل، رسالة مكملة لمتطلبات الماجستير أجيزت من لجنة علمية في جامعة لها مكانتها الرفيعة. والقول بأن الباحث الزعارير لم يشر إليها في بحثه ولا في قائمة مصادره قول صحيح. على أن القول بأنه استفاد من بحث جبَّار عبيد قول يحتاج إلى تأمل دقيق ليت الأستاذ الكريم عبدالله قام به.
كان كتاب الزعارير، في الأصل، دراسة قدمت إلى كلية الآداب في الجامعة الأردنية؛ جزءاً من متطلبات الماجستير، بإشراف الدكتور عبدالكريم غرايبة. وقد نوقشت، وأجيزت عام 1991م، ثم صدرت كتاباً عن طريق بيسان عام 1997م؛ وبذلك يتبين أن إجازة عمل الزعارير جزءاً مكملاً لنيل الماجستير قد تمت قبل اثنتي عشرة سنة من نشر عمل جبَّار عبيد، وأن نشر تلك الرسالة كتاباً قد تم قبل ست سنوات من نشر عمل جبَّار عبيد أيضاً.
والمتأمل في كتابة الزعارير يرى أنه لم يتردد في الإشارة إلى دراسات اطلع عليها وأفاد منها. ومن ذلك إشارته إلى دراسة العثيمين بقوله (ص19):
«وحول الدراسات الحديثة، التي استفاد منها الباحث، كان من أبرزها دراسة الدكتور عبدالله الصالح العثيمين حول نشأة إمارة آل رشيد، التي اعتبرت من أهم الدراسات المتخصصة التي ألقت الضوء على الظروف التي نشأت فيها أسرة آل رشيد، والأركان التي أقام عليها عبدالله بن رشيد إمارته».
وبما أن جبَّار قد أورد كتاب الزعارير ضمن قائمة المراجع التي رجع إليها، كما أورده في الهوامش، فإن من المتوقع أن يشير إلى إفادة الزعارير منه دون الإشارة إلى ذلك.
2- قال الأستاذ الكريم عبدالله المنيف في تقديمه لكتاب جبَّار عبيد (ص6):
«يجد القارئ أنه عند نشر هذا العمل على هيئة كتاب قام الباحث بالنظر فيه مرة أخرى راغباً تلافي الأخطاء وتصحيحها لتكون الاستفادة منه كبيرة فاطلع على مصادر نشرت بعد تاريخ مناقشة الرسالة سوف يجدها القارئ في قائمة المصادر والمراجع».
أما كاتب البحث الكريم نفسه، جبَّار عبيد، فلم يذكر في مقدمة كتابه المنشور أنه «قام بالنظر فيه مرة أخرى» في الرسالة التي قدمها إلى كلية الآداب بجامعة بغداد، والتي ما زلت احتفظ بنسخة منها لحسن الحظر. على أن الكتاب -بصورته التي نُشر بها- أساء كثيراً إلى البحث نفسه، كما سيشار إلى شيء من تلك الإساءة فيما بعد.
وأما القول بأن الباحث قد أضاف إلى قائمة مصادره ومراجعة ما يشير إلى اطلاعه على مصادر نشرت بعد تاريخ مناقشة الرسالة فهو قول يحتاج إلى تدقيق. فالباحث أضاف إلى تلك القائمة عملين فقط الأول تاريخ الفاخري بتحقيق الدكتور عبدالله الشبل؛ قائلاً عنه: إنه طبع أول مرة عام 1419هـ. والصحيح أن هذا الكتاب سبق أن نشرته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1399هـ، بعنوان الأخبار النجدية، ثم أعاد مُحققه الكريم تحقيقه وعدَّل عنوانه، وطبع سنة 1419هـ؛ أي بعد عشرين عاماً من نشره أول مرة. والعمل الثاني كتاب الزعارير إمارة آل رشيد. أما تاريخ الفاخري فقد سبق أن أشار إليه الباحث عبيد في أحد هوامش الرسالة (ص50)؛ نقلاً عن كتاب العثيمين وإن لم يورده في قائمة مصادر تلك الرسالة. وقد ذكره في هامش الكتاب المنشور مرتين في هامش صفحة 61، أما في الأولى فلم يضف جديداً على ما في المتن؛ إذ بقيت العبارة كما هي في الرسالة دون تغيير أو تعديل. فهي في الرسالة معتمد فيها على الفاخري عبر كتاب العثيمين، وفي الكتاب المنشور على الفاخري مباشرة. وأما في الثانية فقد أقحم اسم الفاخري في المتن إقحاماً لم يلتفت إلى أثره في العبارة. فكانت العبارة في الرسالة:
«واختلفت المصادر في تحديد وفاته (أي وفاة عبدالله بن رشيد). وأقرب الروايات إلى الدقة رواية ابن بشر والمؤرخة في يوم الجمعة من شهر جمادى الأولى من سنة 1263هـ-1847م لكونه أقرب من المصادر الأخرى إلى معايشة تاريخ المنطقة».
لكنه في الكتاب المنشور أقحم اسم الفاخري بعد اسم ابن بشر. وهنا أمران: الأول أن كلمة «لكونه» بقيت في العبارة كما هي في الرسالة مع أن إقحام اسم الفاخري يقتضي أن تعدل إلى «لكونهما». والأمر الثاني؛ وهو الأهم، أن إيراد اسم الفاخري في المتن والهامش يعني أنه حدد يوم وفاة ابن رشيد من الأسبوع كما حدد الشهر؛ تماماً كما فعل ابن بشر. ومن يرجع إلى الفاخري يجد أنه لم يحدد يوماً كما لم يحدد شهراً لتلك الوفاة.
وماذا عن العمل الثاني؛ وهو كتاب الزعارير؟
لقد أشار الباحث عبيد إلى كتاب الزعارير في ثلاثة هوامش؛ مضافاً إلى مصادر ومراجع أخرى. غير أن عبارة المتن في الكتاب المنشور لم يدخل عليها أي تغيير أو تعديل عما كانت عليه في الرسالة بحيث يمكن أن يقال: إن إضافة اسم كتاب الزعارير إلى تلك المصادر والمراجع قد أتت بجديد في الموضوع.
وإذا كان الباحث عبيد قد أضاف إلى قائمة مصادر الكتاب ومراجعه تاريخ الفاخري، الذي سبق أن أشار إليه في هامش الرسالة أيضاً عبر كتاب العثيمين، وكتاب الزعارير، الذي أشار إليه في عدة هوامش دون أن يكون لذلك أثر في عبارة المتن فإنه أسقط -مع الأسف الشديد- من قائمة المصادر والمراجع في الكتاب المنشور ثلاثة عشر عملاً؛ مصادر ومراجع، كوَّنت صفحة كاملة هي صفحة 254 من الرسالة. ومن هذه الأعمال ما هو مهم رجع إليه مراراً في الهوامش. على أن الأسوأ من ذلك هو عدم وجود أكثر أرقام الصفحات في الكتاب المنشور بالنسبة إلى الأعمال التي ذكر الرجوع إليها في الهوامش؛ وبخاصة الأعمال التي هي بالعربية، مع أن تلك الأرقام موجودة في الرسالة قبل نشرها كتاباً. ومما يلفت النظر أنه قد حُذِف من الكتاب المنشور ثلاثة ملاحق مكوِّنة ثلاث خرائط موجودة في أصل الرسالة.
وبذلك يتبين أن كتاب الباحث جبَّار عبيد التاريخ السياسي لإمارة حائل يكاد يكون نفس رسالته، التي قدَّمها إلى جامعة بغداد إلا بتغيير طفيف لا يمس جوهرها، وأن هذا الكتاب -بالصورة التي نُشِر بها- قد أساء إلى البحث إساءة كان من المؤمل عدم حدوثها. أما نتيجة قراءة الكتاب نفسه فسيأتي الحديث عنها تباعاً إن شاء الله.