Al Jazirah NewsPaper Monday  24/05/2010 G Issue 13752
الأثنين 10 جمادىالآخرة 1431   العدد  13752
 
بين الكلمات
الاستبداد سمة عربية
عبد العزيز السماري

 

تأرجحت أزمة قيادة الحال العربية الراهنة نخبوياً بين تيارين قد يكون ظاهرهما متنافر، لكنهما ضمنياً متشابهان في اتباع نزعة التقليد سواء كان ذلك من خلال ترديد المقولات الماضوية من التراث والانغلاق داخلها، أو استلاب المواقف الغربية النقدية دون وعي فارق المرجعية بين الشرق والغرب، والتساؤل هو عن أيهما سيُخرج الإنساني العربي من سلبيته المفرطة: الحداثة الغربية أم الرجوع إلى الأصول الدينية؟

من خلال تجارب كلا التيارين المعاصرين في المنطقة العربية لم تتبدل الحال كثيراً منذ ظهور فكرة الدولة الدينية والقومية ثم القطرية في تاريخ العرب الحديث، فالنتيجة ظلت واحدة، وهي أن سمة الاستبداد كانت ولا زالت العامل المشترك بين مختلف التيارات سواء الدينية أو غيرها، والسلطة المطلقة لم ترتبط في تاريخ العرب بفكر محدد أو طائفة محددة، لكنها كانت ولا زالت طبيعة قادرة على التشكل مهما تغيرت أحوال العرب، كذلك تتجاوز تلك السمة الأحادية الاتجاه إلى القبيلة والطائفة والمدرسة والمؤسسة والعائلة..

ربما يحتاج الأمر إلى دراسات علمية، فانتشار ظاهرة التسلط في العصور العربية قد يجعلها سمة من سمات الإنسان العربي، وقد يستدل البعض على ذلك بدخول الديمقراطية وثقافة التعددية في المجتمعات غير العربية، إذ صار لها وجود في حضارات الأجناس المجاورة مثل الفرس والترك والأفارقة، كذلك حدث تطور ملموس في الشرق الآسيوي المسلم، وهذا دليل أن الإسلام لم يكن مصدراً للاستبداد، فقد جاء مبشراً بمقاصده العظيمة وبالشورى والعدل والعمران، لكن القبيلة العربية انقلبت على تلك المفاهيم العظيمة وأرجع العربي الحكم إلى قدرته على فرض إرادته وطبائعه الصحراوية وميله للتسلط بالقوة..

تعتبر قراءة الكواكبي للواقع العربي الأكثر إقناعاً من غيرها من المحاولات الثقافية في المحيط العربي، فالاستبداد يظل الداء المشترك على مختلف الأصعدة في هرم السلطة العربي بدءاً من رب الأسرة ومروراً بالفقيه والعالم والإداري وانتهاءً بالسياسي، فالشخصية العربية لا تركن إلى الموضوعية وتفضل تقديم القوة والتسلط كأقصر السبل في رحلة الوصول إلى الغايات، ويدخل في طبائع الاستبداد إقصائية الفكر الطائفي والذي يستخدم الكراهية للآخر المخالف كسلاح فتاك من أجل الذود عن مذهبه وطائفته..

عبّر ابن حزم عن الأحادية واحتكار الحقيقة والاستبداد في كتاب (الفصل والملل)، عندما كتب (فقد استوى العامي المقلد من كل طائفة في ذلك مع المتكلم الماهر المستدل بزعمه، ثم نجد أهل هذه الأديان في فرقهم أيضاً كذلك سواء سواء، فإن كان يهودياً فإما رباني يتقد غيظاً على سائر فرق دينه، وإما صابئي يلعن سائر فرق دينه، وإما عيسوي يسخر من سائر فرق دينه، وإما سامري يبرأ من سائر فرق دينه، وإن كان مسلماً فإما خارجي يستحل دماء سائر ملته، وإما معتزلي يكفر سائر فرق ملته، وإما شيعي لا يتولى سائر فرق ملته، وإما مرجئي لا يرضى عن سائر فرق، وإما سنِّي ينافر سائر فرق ملته، قد استوى في ذلك العامي المقلد الجاهل والمتكلم بزعمه المستدل)، ويكمل (ثم هكذا نجدهم حتى في الفتيا، إما حنفي يجادل في حنفيته، وإما مالكي يقاتل عن مالكيته، وإما شافعي يناضل عن شافعيته، وإما حنبلي يضارب عن حنبليته، وإما ظاهري يحارب عن ظاهريته).

لعل المتغير الحالي فيما عبّر عنه في الماضي الفقيه الأندلسي ابن حزم - رحمه الله - أن اليهود والنصارى قبلوا منهج التعددية فيما بينهم في الوقت الحاضر، واتفقوا أن يحترموا اختلافاتهم، وأن يحتكموا إلى القانون في خلافاتهم، وإلى الديموقراطية في حكم مجتمعاتهم بعيداً عن التعصب للفرق والأطياف الدينية والفئوية، لكن العرب لم تتبدل حالهم كثيراً، فالوضع العربي الإسلامي لم يتغير وظل كما وصفه ابن حزم، وكما عبر عنه الكواكبي، فالطوائف الإسلامية متفرقة وتتبادل الكراهية علناً، كذلك لا زالت سمات التسلط والانفراد بالرأي وفرض الحقيقة بالقوة قائمة، وستكون عاقبة انفراد الإنسان العربي بسمة الاستبداد في مختلف أوجه نشاطات المجتمع ليست في صالحه، إذ ستصبح بمثابة المتلازمة الطبيعية التي تربط عضوياً بين طبيعة الإنسان العربي وسمة الاستبداد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد