تستعد وزارة الشؤون البلدية والقروية لإطلاق المرحلة المقبلة من انتخابات المجالس البلدية نهاية هذا العام. وهي بصدد التجهيز لتوجهات جديدة لم يبت بها، مثل: زيادة المنتخبين ليصبحوا الثلثين، مشاركة المرأة، تعديل العدد ليناسب حجم المنطقة..
ومن أهم الأسئلة التي تواجهنا هي كيفية اختيار المرشح المناسب؟ وكيف نُقيِّم العضو المنتخب؟ وما هي معايير التقييم؟ فالشائع هو الانتقاد الحاد للمجالس البلدية وأعضائها بناء على ملاحظات فردية عامة غير قابلة للقياس الدقيق، مثل الانتقاد الانطباعي الشامل بأن المجلس البلدي الفلاني فاشل، مع طرح اتهامات عامة يصعب تحديد جزئياتها وأسبابها المباشرة والمسؤولين المباشرين عنها.
في تقديري أن سبب انتشار التعميمات غير المفضية لنتائج ملموسة (ناهيك عن الإشاعات) يعود إلى افتقارنا للوسائل المناسبة للتقييم، لا سيما توفر المعلومات ووصولها للناخب الذي توجه للإدلاء بصوته ولم يكن لديه محددات واضحة للاختيار، ومن بعدها لا توجد محددات واضحة لتقييم أداء من انتخبهم، والخشية لاحقاً أن لا تتضح الرؤية في تحديده للمرشحين. فأين يوجه الناخب اختياره بين المرشحين؟
في دراسة للدكتور وليد أبو ملحة حول اتجاهات الناخبين في اختيار المرشحين بالانتخابات البلدية بمحافظة خميس مشيط، أوضحت النتائج أن العنصر القبلي كان أهم العناصر في اختيار المرشح بنسبة 36%، يليه المعرفة الشخصية والعلاقات الأسرية والاجتماعية بنسبة 29%، ثم الانتماء الفكري بنسبة 23%، في حين كانت الكفاءة المهنية ومنطقية البرنامج الانتخابي هي الأقل بنسبة 11%. هذه النسبة المتدنية للكفاءة وهي أهم عنصر في الاختيار، تفسرها جزيئاً نتيجة أخرى في الدراسة، وهي أنه فقط 24% أظهروا ثقتهم ببرامج المرشحين!
أما على مستوى المملكة فتشير دراسة لمركز أسبار إلى اعتقاد البعض أن طريقة الترشح لم تكن موفقة، وهذا هو السبب الأساسي في عدم الرغبة بالمشاركة في الانتخابات البلدية مستقبلاً لدى البعض، حيث أشار إلى ذلك 30 % من الذين صوتوا، و 33% من الذين لم يسجلوا في الانتخابات السابقة.
هذا الالتباس يرجع إلى عوامل عديدة مرتبطة بمرحلة التأسيس لثقافة الانتخاب عموماً، وإلى الوعي الانتخابي في المسألة البلدية خصوصاً، ولكن سأركز على متطلبين تأسيسيين. الأول معرفة طبيعة عمل المجلس البلدي. والثاني معرفة ما يقوم به الأعضاء فعلاً. المتطلب الأول متوفر بالاطلاع على اللوائح المنظمة للعمل، بينما المتطلب الثاني هو ما نفتقر إليه.
وإذا بدأنا بالمطلب السهل فإن طبيعة العمل يوضحها البند الأول من المادة الثانية لسلطات البلدية، بأن: المجلس البلدي يمارس سلطة التقرير والمراقبة.. ويحدد مهامه التي منها، حسب المادة الخامسة، إقرار الميزانية والحساب الختامي والإيرادات والمصروفات واقتراح المشاريع العمرانية والاستثمارية ومراجعة نشاط البلدية ودراسة الشكاوى والاقتراحات.. كما تشير المادة السابعة عشرة أن للمجلس حق الرقابة على أداء البلدية.
ثمة خلط - في النقد الشائع - بين مهام المجلس وهي القرار والمراقبة وبين مهام أمانة البلدية وهي العملية التنفيذية، لذا أوضح نائب رئيس المجلس البلدي للمنطقة الشرقية حمد البعادي أن ما يطرح حول المجالس البلدية يتم دون معرفة المهام الحقيقية الموكلة لهذه المجالس التي يرى البعض أنها جهات تنفيذية.
نعود للمتطلب العسير وهو كيف نقيِّم عمل المجلس وأداء أعضائه؟
إن أهم وسيلة لذلك هما الشفافية والمكاشفة اللتان يؤكد عليهما المسؤولون، لكننا لا نعرف كيف! الشفافية تعني أن من حقنا الاطلاع على أعمال المجلس، وهذا يقره البند السابع للمادة الثالثة عشرة: «تعلن قرارات المجلس التي يتقرر إعلانها بمقر البلدية ليطلع عليها ذوو الشأن.» والناخب هو من ذوي الشأن. وكذلك البند الأول للمادة الرابعة عشرة: «يكون التصويت على أي موضوع في الجلسات علنياً عدا حالتين..».
ولعل تجربة المجلس البلدي في الرياض بعقد لقاءات دورية مفتوحة للعموم معتمدة على العمل المشترك والشفافية والتواصل مع المجتمع، تعد مبادرة جديرة بالاهتمام والتطبيق في المجالس الأخرى، كما أوضح ذلك د. عدنان الشيحة وأيضا نجد في جميع مواقع المجالس في الإنترنت حيزاً للتواصل مع المواطنين.
لكن مبادرات الشفافية تلك تشكل جزءاً يسيراً مما هو مفترض أو علاقات عامة، إنما نحن بحاجة لشفافية تمنحنا حقنا بالحصول على تفاصيل أعمال المجلس وليس مجرد تقرير عام فضفاض من أمانة المجلس. مثلا عند إقرار مشروع ما ورفض مشروع آخر، لا بد أن أعرف من كان مع الأول ومن كان مع الثاني ومن كان محايداً وملابسات ذلك، لاتخذ موقفاً انتخابياً من العضو الذي انتخبته: هل أوفى بوعده في أولوية هذا المشروع من عدمه، وإلا ما قيمة انتخابي له إذا لم أكن أعلم ما يقوم به على وجه التحديد؟ ببساطة، من حقي أن أعرف تفاصيل أداء العضو الذي انتخبته ومدى كفاءته، لأنه يمثلني.. ينوب عني.. فهذا من أسس العمل النيابي!
وهنا يأتي دور الصحافة في الطليعة عبر حقها المهني في اختراق حاجز العتمة والاستفادة من مبدأ الشفافية ومن ثم توفيره للعموم. فالصحفي المحترف يعرف كيف يكشف لنا المناقشات والمعاملات والعقود خلف الكواليس. ودور الصحافة ينبغي أن لا يغفلنا عن دور الجهات الرقابية والقضائية كديوان المظالم وديوان المراقبة.. إلخ.
وهذا يذكرنا بكارثة جدة، وموقف الناخب الحائر الذي بالكاد يلتقط المعلومات! فقلما وجدنا ذلك الصحفي الذي رصد ملفات عن المناقصات الخاصة بتصريف السيول والتي لم تنفذ مع تحديد الأحياء المرتبطة بها.. ونادراً ما كشفت لنا تقارير صحفية عن أرقام مختبئة وفتحت لنا ملفات منسية خلف ستار البيروقراطية.. ولا أقصد كشف أسرار خاصة ليست للعموم، بل أعنى الشفافية التي أقرها النظام، فضمن ما ذكره قرار مجلس الوزراء (رقم 43 بتاريخ 1/2/1428هـ) في وسائل تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، كفالة حرية تداول المعلومات باعتبارها مبدأ أساسياً للشفافية والمكاشفة..
إذا كانت الشفافية كمبدأ أصبحت مقررة فإنها كممارسة يكتنفها الغموض وتواجه عقبات جمة.. فمن طبيعة البيروقراطي العمل بعيداً عن الأضواء ومقته «للتحرش» الصحفي، ولكن هذا لا يمنح العذر للصحفي ولا الكاتب بالتحجج أن ليس من حقه الوصول للملفات البيروقراطية الموصدة وراء الأدراج.. فدون فتح هذه الأدراج لن يبصر الناخب دربه الانتخابي..
alhebib@yahoo.com