صدر عن دار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة في الرياض كتاب قيم بعنوان (عبد الله السليمان الحمدان صفحة مشرقة في تاريخ المملكة) تأليف الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، في طبعته الثانية لعام 1431ه -2010م. وهي طبعة منقحة ومزيدة، وقد بلغ مجموع صفحاته (46) صفحة من القطع المتوسط. وكانت الطبعة الأولى قد صدرت بالتزامن مع ذكرى مرور مائة عام، على استرداد الملك عبد العزيز لمدينة الرياض، وبداية التأسيس الذي توّج بالوحدة الشاملة. كما تزامن الإصدار الثاني مع تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لاحتفالات شركة أرامكو السعودية بيوبيلها الماسي، إذ تفضّل - حفظه الله - بتكريم تلك الشخصية، بكلمات ثناء عطرة، ثم منحها وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى؛ تقديرًا لخدمات ابن سليمان وتفانيه في الولاء وخدمة الوطن.
والكتاب موسوعة، حمل في طياته كل الإجابات عن البدايات الإدارية والتنظيمية للمملكة العربية السعودية، احتوى على ما يقرب من مائة صورة فوتوغرافية، وأكثر من سبعين وثيقة محلية، وما ينوف على مائة وثيقة أجنبية مترجمة، عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية. توثّق لكل فترة، أو مقطع من هذا الكتاب.
وقد تحدَّث المؤلف في مقدمة الطبعة الثانية حديث العارف بدراسة التاريخ, حيث أشار إلى أن الدارسين اليوم يقصرون حديثهم على الرموز الكبيرة، دون من حولهم من الأعضاد والأعوان، وهو نهج يظلم الأمة، ويهضم حق الصفوة المبدعة؛ فالحاكم الذي ينفصل عمن حوله، ينتهي به الأمر إلى الإفلاس.
كما تحدَّث عن مولد الوزير الشيخ عبد الله السليمان الحمدان، مرجحًا أن أصح الأقوال أنه ولد عام 1302هـ - 1884م بمدينة عنيزة، وعمل في التجارة، ورحل إلى البصرة وبغداد والبحرين والأحساء، وسافر إلى الهند، طلبًا للرزق، حيث قدّر أن يصبح دعامة من دعائم الدولة، التي أنشأها الملك عبد العزيز, وعاش الظل الظليل لسيده القائد، فهو المنوط به توفير نفقات الأشغال أيّاً كانت، بالإضافة لأعمال الحج والمواصلات والزراعة والدفاع، وما تتطلبه الخاصة الملكية.. إلى جانب مسؤوليات أخرى تلقيها عليه علاقته الشخصية بالملك عبد العزيز.
فإذا كان للملك عبد العزيز فضل التوجيه والصبر والحنكة وراء كل ذلك، فإن لمعالي الشيخ عبد الله السليمان القدم الراسخ في صناعة ما جرى من تحولاَّت جذرية، وكان وراء عجلة التاريخ، انطلاقًا من دفعة الرجل العظيم المؤسس.
فعند ظهوره على مسرح التاريخ، التحق بخدمة الملك عبد العزيز في ديوانه السلطاني، الذي لم يكن أكثر من ستة أفراد، يسمونهم الكتّاب، تحت رئاسة الشيخ (ناصر بن سويدان) كبير كتّاب السلطان عبد العزيز. وإلى جانبه الشيخ (محمد بن سليمان الحمدان) الأخ الأكبر لعبد الله السليمان، والشيخ (محمد أبو عبيد) الذي كان يضطلع ببعض الأعمال الخاصة، إلى جانب الكتابة في الديوان، والشيخ (صالح الصرامي) والشيخ العالم (حمد بن فارس).
وكان يبدي في حضرة الملك عبد العزيز من الاحترام، ما يبيّن عمق الخضوع؛ فيجلس على الأرض، بينما يتربع من هم أقل منه منزلة، وأقل حظوة، فوق الكراسي والمقاعد!!
ويعود أول دور بارز له في الفترة الأولى من حكم عبد العزيز حينما انضمت إمارات حائل وعسير والحجاز.. ثم إمارة الأدراسة في جازان.. وفي تلك الأثناء رأى الملك عبد العزيز أن مجال الرجل لا بد أن يكون في المهمات الجسام إلى جانب عمله؛ فأُسند إليه ما كلفه به السلطان وهو يحاصر جدة، بعد أن تحقق له أن مجريات الوقائع تتطور إلى جانبه، ومنذ ذلك الحين، بدأ السلطان عبد العزيز يتعرَّف على إمكانيات وزيره الذهنية والإدارية.. وانطلاقًا من هذه الثقة بدأ ابن سليمان بإسناد أعماله إلى رجال أكفاء كلفهم بتأسيس الدوائر الرسمية.
ولم يكن يوجد في أوائل عهد الملك عبد العزيز منذ دخول الرياض حتى انضمام بقية أجزاء المملكة بنود للصرف الدائم، ولا كوادر متخصصة للتنفيذ، وإنما كانت مخصصات ومكافآت عينية ونقدية، تصرف على شكل عائدات سنوية، ويخصص جزء منها للمتطلبات الضرورية للقصر، وللمنشآت العامة، ولأبهة الحكم والضيافة، والمشتريات والسلاح والإنفاق على الفقراء فقط.
وكان من رجالات مرحلة التطور - آنذاك - الشيخ عبد الله السليمان الحمدان، والأمير أحمد بن ثنيان آل سعود، والدكتور عبد الله الدملوجي، والشيخ حافظ وهبة، والشيخ يوسف ياسين، والشيخ خالد قرقني، والشيخ إبراهيم بن معمر، والشيخ فؤاد حمزة، والشيخ عبد الرحمن القصيبي، والشيخ طاهر الدباغ، والشيخ صالح شطا، والشيخ محمد الطويل، والشيخ صالح قزاز، والشيخ خالد الحكيم، والشيخ بشير السعداوي، والشيخ محمد ابن صالح شلهوب.
وعندما حدثت مشكلة الإخوان، كان لابن سليمان في تلك الحرب، التي هددت الأمن والاستقرار، إبان ميلاد المملكة على يد الملك عبد العزيز، بعد ضم الحجاز، دور مهم, وكذلك الحال في فتنة وقعت تنتمي إلى التمرد عرفت ب(فتنة ابن رفاده)، وفي الحرب السعودية اليمنية.
وحينذاك تم التطور الاجتماعي والاقتصادي، حيث كان ابن سليمان المشرف على التجارة والصناعة والإنشاءات، على اختلاف أنواعها وأغراضها، في المملكة. ومن هنا كان إنشاء مكتب للمعادن، يشرف على جميع الإنشاءات الاستثمارية، وإصدار تراخيص عملها، وإنشاء البنوك والمصارف.
وكان الملك عبد العزيز يدرك ما تحتوي عليه أرض بلاده من معادن ثمينة، وخيرات كثيرة، لكنه يعلم يقينًا، أنه لو طلب من الدول الأجنبية أن تستخدم تلك الثروات، وبلاده لم تستقر بعد، لبدأت المساومات والمراوغات. لكنه عندما لاحت في الأفق بوادر نجاح الكشوف، بدأ مشروعه الحضاري، ومنح شركة التنقيب الشرقية في أول الأمر امتيازًا عام 1341هـ. ثم أمر الملك عبد العزيز وزيره عبد الله السليمان الحمدان بالتفاوض مع رؤساء شركات البترول الأمريكية، وعندما تعرّف على ما عندهم بشأن البحث والتنقيب واستثماره، شكَّل لجنة من معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان، وعبد الله الفضل، ويوسف ياسين، وفؤاد حمزة، تحت رئاسة نائب الملك سمو الأمير فيصل.
وعندما كتبت الاتفاقية، وتمت دراستها من قبل مجلس الوكلاء، اجتمع معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان، والمستر لويد هاملتون بأمر الملك عبد العزيز، في القصر الملكي في جدة، في شهر صفر عام 1352ه، الموافق 29 مايو 1932 م لتوقيع اتفاقية التنقيب عن البترول، وكانت تلك الاتفاقية مفصّلة في مدتها، وحدود منطقة الامتياز، وبدأ التنقيب، فكان ابن سليمان، ذلك الرجل المخلص، عوناً لسيده في ذلك الاتفاق، واستثماره خير استثمار في نهضة المملكة.
ولا تختلف قصة مناجم الذهب والفضة عن قصة النفط، وكان من بوادر معالي الشيخ عبد الله السليمان أن أخذت الحكومة على عاتقها استغلال تلك المناجم مباشرة؛ فوافق الملك عبد العزيز على ذلك.
ولم يقتصر نشاط ابن سليمان على استغلال المناجم فقط، وإنما أنشأ عدة مزارع في الخرج والأحساء؛ فارتبط الملك عبد العزيز بذلك الإنجاز الذي شكلت الطبيعة الصحراوية للبلاد العربية السعودية به تحدياً كبيرًا في المجال الزراعي.
وفي الوقت نفسه، كان الشغل الشاغل لذلك الوزير، التفكير في موضوع العملة والوحدة النقدية للبلاد. وقد لاحظ أن سعر الريال المجيدي المستعمل والريال الفرنسي، لم يكن ثابتاً في الأسواق، فشرح القضية للملك، وطلب منه أن يفوض بسك ريال سعودي خاص، يكون هو الوحدة الأساسية للعملة، وأن تحدد قيمته بجزء من العشرين من الجنيه الذهبي، إلى أن انتهى الأمر عام 1372ه 4 الموافق أكتوبر 1952م بافتتاح مؤسسة خدمية للنقد عرفت ب(مؤسسة النقد السعودي) هدفها الوصول إلى تطوير أفضل نظام للنقد والإدارة المالية، فتم ذلك. وافتتح ولي العهد تلك المؤسسة، وألقى معالي الشيخ عبد الله السليمان الحمدان، ومحافظ مؤسسة النقد في الحفل كلمتين، بينّا فيها مهمة هذه المؤسسة. وكان أول عمل لها إصدار الجنيه الذهبي السعودي، ومعادلته بعشرة ريالات سعودية.
ومع كل هذه المهمات، كان ابن سليمان، الفطن بتوجيهات سيده، في كل تلك الحلقات بما فيها النهضة الصحية والتعليمية والمواصلات وإنشاء الخدمات والمبرات، التي حرص الملك عبد العزيز على إنشائها، بعد أن تدفقت الخيرات في المملكة.
وبعد أربعين سنة تقريبًا، من الجد والإخلاص والعمل الدؤوب، وضع ابن سليمان عصا الترحال، فبعد بضعة شهور من وفاة الملك عبد العزيز، رفع إلى جلالة الملك سعود رسالة أعرب فيها عن سوء حالته الصحية, مؤكدًا أن الدولة الجديدة تحتاج إلى دماء جديدة، ونتيجة إصراره كرَّمه الملك سعود بقبول استقالته، ثم اتجه ابن سليمان إلى المساهمة في البناء الاقتصادي المتنوّع، وعاد ليكون واحدًا من أفضل المواطنين في استغلال إمكانياته الذهنية وتجاربه الطويلة، حيث أنشأ فنادق خاصة به في جدة. كما أنشأ مصنعًا للأسمنت هناك، وشارك في إنشاء مستشفيات خاصة.
وكان من الأعمال العظيمة التي ختم بها معاليه حياته، هبته الشخصية لجامعة الملك عبد العزيز، التي كانت تسمى (الجامعة الأهلية) في جدة.. وكان ابن سليمان يملك مزرعة شرق مطار جدة، وبداخلها أربعة قصور مساحة كل قصر أربعين ألف متر، وبها ملاحق كثيرة.. وعندما ظهرت فكرة إنشاء جامعة أهلية، وبدأت لجنة التأسيس جمع التبرعات، بادر الشيخ عبد الله السليمان الحمدان بالتبرع بتلك المزرعة بالكامل، واشترط أن يكون اسم الجامعة (جامعة الملك عبد العزيز) فكانت تلك المزرعة بقصورها تناهز المائة والستين ألف متر مربع.. إلى جانب مآثر أخرى لهذا الرجل، بذلها لدينه ووطنه، نكتفي منها بما ذكرناه.
وفي نهاية الكتاب ألحق المؤلف مئات من الوثائق المحلية والأجنبية، على شكل تلغرافات، كان الملك عبد العزيز يبعث بها لوزيره أينما كان، وكانت تحمل تميزًا في توقيعاتها، وطغرائياتها، تشبه ما كان يستعمله الملوك والسلاطين، على حواشي الرقاع المقدمة لهم، وأكثر من مائة من الوثائق الأجنبية، أمريكية، وبريطانية، وفرنسية.. يدرك بها القارئ البدايات الأولى لعصر جديد، فهي مستودع أمين لحوادث التاريخ، ولولا وجودها لما اهتدينا سبيلاً لاكتشاف حياة هذا الرجل الذي يعد نموذجاً فريدًا في ميدان التجارب والتاريخ السعودي.. إن ابن سليمان رقم مهم، وسيظل باقياً في ذاكرة الأجيال بين شخصيات أخرى منيت الساحة بفقدان الكثير منهم، مهما تباعدت السنين واختلفت العصور.