لم يعد التعليم في الوقت المعاصر مجرد خدمة تقدمها الدولة للأفراد بل صار عاملاً مهماً في رفع إنتاجية السكان المطالبين بإتقان الحد الأدنى من المهارات اللازمة للإنتاج وللحياة اليومية، وهناك علاقة بين التعليم والاقتصاد والتعليم والعمل والتعليم والدخل، وهذا يشير إلى أن يأخذ التعليم الاتجاه الاقتصادي، حيث تنعكس النظم الاقتصادية على التعليم بشكل يجعل التعليم يسير وفق النظام الاقتصادي، ومن هنا بدأت النظرة الحديثة للتعليم كاستثمار، فالتعليم لم يعد مجرد خدمة يتفق عليها بقدر ما يتاح من مال بصرف النظر عن طبيعة الخدمة أكانت ضرورية أو تحسينية أو كمالية وإن أصبح استثمار بشرياً وعاملاً رئيساً في التنمية ورفع معدلات الإنتاج العام في الدولة، فهو استثمار يعود بنتائج اقتصادية تبلغ قيمتها أضعاف ما تم صرفه فيه، لأنه يحسن قدرات الفرد ويكسبه مهارات العمل، ويمنحه بصيرة مهنية للإبداع في العمل، ويكيف الظروف للتغيير والتطوير في المهن والأعمال هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى العام فإن التعليم يعد الأفراد لسوق العمل ويوزع القوى العاملة المدربة على كافة القطاعات والمهن بحيث يضع الإنسان المناسب، ويتجنب الأزمات النوعية التي ترتبط بالعمالة لنقص الكفاءات في وظائف فنية خاصة، وغياب التنبؤ والتخطيط لتوفير الأعداد المطلوبة بما يتمشى مع خطوات النمو والتنمية في الحاضر والمستقبل.
ونظراً لظهور كثير من المشكلات الاقتصادية في معظم دول العالم خاصة في البيئات دائمة التغيير كان لابد من التفكير في التعليم المنتج والمستمر مدى الحياة، والمنتج المبتكر في التعليم المنتج هو المنتج الذي يتميز عن مثيله من المنتجات من حيث الخامات الداخلة فيه أو طريقة صنعه، أو حتى من يصيغه والحقيقة الهدف من التعليم المنتج مزدوج، فعلى صعيد الطالب فهي عملية تتضمن قدراته العقلية والمهارية وتكتشف مواهبه وتكسبه معارف جديدة ومهارات عملية واتجاهات إيجابية مرتبطة بالمدرسة وتعود عليه بالربح المادي، أما على صعيد المدرسة فهي تجسد رسالتها وتحقق أهدافها وتربطها بالمجتمع المحلي مما يجعل المدرسة بيئة تعلم وثقافة تساعد على غرس القيم وترقية الفهم والمرونة التعليمية التي سوف ترتبط بانجاز الطلاب والحياة الاجتماعية المسئولة خارج المدرسة.
أما عن تطوير مفهوم المدرسة كوحدة منتجة، فهي جزء من التعليم المنتج، وهي عملية إرساء نظرة حديثة ومتطورة ليضمن من خلالها ربط المدرسة بالمجتمع ودمج المجتمع في المدرسة لتحقيق شراكة فعالة من خلال استثمار ما لدى المدرسة من موارد مالية وإمكانيات بشرية لتقديم خدمات حقيقية لهذا المجتمع من ناحية والإفادة من موارد المجتمع وإمكانياته المختلفة لتحقيق أهدافهم المستقبلية.
ومشروع المدرسة المنتجة هو أحد الوسائل المهمة لإرساء مفهوم الاستثمار والتنمية الاقتصادية من التعليم في مدارس التعليم العام لعمل مشروعات صغيرة مرتبطة بالبيئة والمجتمع، وتدعم أهداف العملية التعليمية، ولا ينقص من دور المدرسة في التعليم.
لذا لنجعل مدارسنا إحدى الآليات التربوية والدعامة التربوية لعمل المشروعات الصغيرة المبتكرة والإبداعية غير النمطية تعمل على سد الفجوة من التعليم الأكاديمي البحثي وارتباطه بسوق العمل وتسليح أبنائنا بالحياة العملية لتمكينهم من العمل كطلائع للإنتاج بالإضافة إلى اكتساب فوائد عديدة
كتنمية مهارات الطلاب العلمية والعملية من خلال مشاركتهم ابتداء من التفكير في المشروع وإعداد دراسات الجدوى وتنفيذ المشروع وتقييمة ومتابعة نجاح المشروع، وفنون التفاوض والتسويق، وإدارة المشروعات الصغيرة والعمل من خلال فريق العمل، وإكسابهم قيم في مهارات العمل الأساسية كالتخطيط والتنظيم، وإدارة الوقت، واحترام العمل وتقدير العمل اليدوي، والإنتاج والادخار والتفكير في العواقب والتحسب للاحتمالات المختلفة في تقدير الربح والاستعداد لتقبل الخسارة.وأساليب القيادة والتأثير على الآخرين وتقدير جهودهم مما يعطي الطالب خبرات التعليم المستمر والقدرة على المشاركة الفعالة في الحياة في مرحلة مبكرة ويساعد في تحول نظرته للوظيفة الحكومية كهدف نهائي للتعليم والنظر إلى آفاق مستقبلية أوسع لطموحاته واستخدام أفضل الإمكانيات وموارده الذاتية ليكون منتجاً على مستوى عال من القدرات والخبرات.
إن المنتج النهائي للمدرسة كوحدة منتجة يجب أن يتمثل في طلاب أنهوا مستوى معيناً من الكفاءة والإتقان والتميز مدركين لمتطلبات سوق العمل المستقبلية، ومعلمين لديهم معرفة ودراية بطرق التعليم المرتبط بالجوانب المهنية، وإدارة مدرسية فعالة ذات كفاءة وخبرة في مجال تنفيذ المشروعات الإنتاجية وحريصة على تفعيل العمل داخل الوحدة المنتجة بالمدرسة.
وهذا يعني أن الهدف الرئيسي من المدرسة المنتجة هو التحول من تعليم ينمي ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج، خلق رجل أعمال صغير أو سيدة أعمال صغيرة.
ومن مشروعات المدرسة المنتجة:
1- مشروعات إنتاجية: مثل صناعات إلكترونية وكهربائية والحفر على الخشب وصناعة العطور وصناعة الألبان وصناعة المنظفات والصابون والطباعة على النسيج وصناعة عش الغراب والمشغولات الجلدية، والمنسوجات والتريكو والتطريز وغيرها.
2- مشروعات خدمية: مثل استخدام الملاعب للتأهيل للكليات العسكرية، عمل دورات الكمبيوتر، تأجير المسارح، إنشاء مراكز للإصلاح الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، مشروعات سباكة وكهرباء وصيانة أثاث، دورات لتعليم اللغات والحاسب الآلي، تأجير الصالات الرياضية والملاعب التابعة للمدارس الرياضية للمدارس الرياضية بأجور رمزية، كتابة وطابعة الرسائل العلمية وتصوير المستندات، تعليم والرسم.
3- المشروعات التسويقية: التعامل مع الشركات والمصانع التسويقية للبضائع التي تحتاج إليها الوحدة أو جزء من المنتج، والتعامل مع الشركات والمحلات لعرض منتجات الوحدة الإنتاجية والقيام بالوساطة بين الشركات والمصانع وبين المستهلكين مقابل هامش الربح يعود على المدرسة بالنفع.
4- البرمجيات: برمجيات تعليم، برامج الصيدليات والسوبر ماركت وغيرها، برامج للإدارة المدرسية، وتخزين البيانات، برامج لتعليم اللغات، برامج لتخزين الملفات المختلفة ثقافية أو اجتماعية،تصميم صفحات الإنترنت وغيرها
ويتم عرض المنتجات في معرض المدرسة أو في المقصف المدرسي ويتاح البيع لجميع العاملين بالمدرسة والطلاب وأولياء الأمور ويكون البيع بعد انتهاء اليوم المدرسي وللإدارة المدرسية الحق في تحديد منافذ البيع والتوقيت بعد إخطار الإدارة التعليمية.
مها أحمد القرزعي - (ماجستير إدارة تربوية)
Mahawy-4@hotmail.com