حينما قرأت خبراً عن مطالبة سعوديات مبتعثات في أمريكا، بأن يتم فصلهن كعضوات في صفحة فيس بوك بعنوان: سعوديون في أمريكا، عن زملائهن الشباب السعوديين، تذكّرت فوراً مرحلة دراستي في بريطانيا، حينما اتفق ناشطون سعوديون على أن يتم إنشاء فصل خاص بالنساء السعوديات لتعلّم الإنجليزية، ولا يختلط بهن إلا نساء من جنسيات أخرى، فلم تنجح التجربة إطلاقاً، إذ تحولت دراستهن إلى ثرثرة ونزهات بحقائب مليئة بالأكل و»ترامس» القهوة والشاي، وقضاء الوقت لوحدهن مجللات بعباءاتهن في الحديقة المنزوية في مدرسة تعليم اللغة، وانتهى الأمر بطالبتين أجنبيتين رافقنهن خلال شهر، أن عدن إلى صفوف التعليم المختلط، بعد أن تعلّمتا بعض الكلمات العربية!
أذكر أنني لم أستوعب كيف لأزواجهن أن يقبلوا مخالطة طالبات اليابان والبرازيل وتركيا في الصف، يضحكون معهن ويتجادلون، بينما زوجاتهم يعشن في عزلة محرجة ومحزنة معاً! طبعاً لم يدم هذا الفصل الاستثنائي، خلال عام 1999م سوى فصل دراسي واحد، كان هدف الموافقة عليه من قبل إدارة المدرسة الإنجليزية هدفاً ربحياً وكسباً مادياً لا غير.
أما أمر السعوديات في أمريكا فهو أكثر غرابة وإثارة؛ إذ يقبلن بأن يدرسن في الواقع مع رجال غرباء، بينما يرفضن العيش مع سعوديين، وأبناء بلد، حتى لو كان ذلك في عالم افتراضي! وكأنما الأمر تكرار جديد، لحالات مشابهة داخل حياتنا الاجتماعية اليومية، إذ ترفض المرأة السعودية بأن تركب مع سائق أجرة ليموزين سعودي، بينما تقبل بالسائق البنغالي والباكستاني، تماماً كما ترفض التعامل مع بائع سعودي وتخشاه إلى حد الوسوسة، بينما تتباسط في الحديث مع البائع الآخر من جنسيات عربية وأجنبية!
قد نقبل هذا الأمر، لأن ظروف العيش داخل البلد مختلفة عما سواه من بلدان العالم أجمع، ولكن كيف يحدث ذلك لدى المرأة ذاتها في بلد منفتح كأمريكا، كيف يحمل الإنسان انغلاقه وتشوهاته إلى كل مكان، دون أن يستطيع التمازج والتصالح مع ثقافة هذا البلد أو ذاك؟
أعتقد أننا أكثر شعوب العالم قدرة على تطويع التطور والتكنولوجيا وليّ عنقها كي تتناسب مع أعرافنا، بل إننا نتفنن في ذلك، ونظهر للعالم لساننا بسخرية، لنقول هانحن نفعل ما نريد وما يتفق مع (خصوصيتنا) التي أوهمنا أنفسنا بها.
أليس اختراع منتديات العائلات السعودية، خاصة النجدية، وتقسيمها إلى قسم للرجال، وآخر للحريم، هو امتداد لثقافة الواقع الحقيقي، مجلس الرجال، ومجلس الحريم، فحتى في العالم الافتراضي لا يحق للبنت أن تتحدث مع ابن عمها، وباسميهما الصريحين، بينما قد يفعلان ذلك خلسة، وبتهور، وتحت مسميات مستعارة ووهمية!
ليت السعوديات اللاتي تصرف عليهن الدولة مبالغ ضخمة كي يعدن إلى البلاد، ويساهمن في حركة التنمية والتطور، ينصرفن إلى أمور دراساتهن ومنجزهن الأهم، ويدعن عالم الفيس بوك وأوهامه، أو يكنَّ جزءاً منه للتواصل والشعور بالهموم المشتركة مع زملائهن، حتى لو ظهر من بين هؤلاء الشباب واحداً لم تنضج أخلاقه بعد، ولم يتخلّص من فوبيا المرأة، وحساسية وجوده مع زميلة سعودية له، في مقام أخته، فهو يعد حالة شاذة، لا تستدعي مطالبتهن بإنشاء جدار عزل عنصري، بل إن وجودهنَّ هناك، ووجودهم هناك، يجعل أمر التعامل بينهم أمراً قائماً وطبيعياً.