قلت لكم في المقالة السابقة عما تعرضت له من شجب وتنديد خلال المظاهرة العارمة التي قادتها أم البنين وبناتها وبنات بناتها وأحفادها وذراريها- يحفظهم الله- ضد هذا الكهل الذي اسمه (جَدوّ) وذلك لمجرد أنه اعتذر عن تناول العشاء في البيت لأنه قد تناوله سابقاً لدى صديق عزيز وعلى شرف سيدة عظيمة تدعى السيدة (لام) وقلت لكم أن ال(لام) هذه هي مدعاة أعمال الشغب في البيت ضد (سياستي المنحرفة) - عائلياً - لمجرد أنني ذكرت اسم سيدة فقط غير السيدة المصون التي تقبع في البيت والتي أطبقت على كل أعوام العمر التي تجاوزت الخمسين والتي جعلتني - خلالها - (أطوع من ذلول اللحاوي) أي (لا أكش ولا أنشّ) حتى لو رأيت ملكة جمال أمريكا الأخيرة والتي تعود إلى أصل عربي لبناني، الأمر الذي لربما سيفيد العرب كثيراً في المحافل الدولية بشأن قضيتهم الكبرى فلسطين، بل ولربما قضاياهم كلها سلمهم وسلمها الله من عين كل حاسد أشر(!!).
أقول إنه حينما ثارت الثائرة في أنحاء متفرقة من المنزل واعتليت الطاولة خوفاً من أن تنالني أيدي الجمهور الغاضب وخطبت خطبتي العصماء تلك والتي أقسمت فيها أنني لو صرّحت باسم السيدة التي تناولت العشاء على شرفها لقامت السيدة أم السوم - أي (بعلتنا) المصون ما غيرها واتجهت إلى تلك السيدة وقبّلتها على رأسها ولدعتها إلى العشاء أيضاً. ولم لا؟ فالسيدة (لام) أيها الإخوة القراء هي بمثابة (أمي وأمها وأم كل أبناء العشيرة) في زمن طفولتنا اللا سعيدة حقاً، أي حينما كنا أطفالاً نحيا في الصحراء بملابسنا الرثة وأقدامنا الحافية، حيث لا غذاء جيد سوى كسرة يابسة من خبز وعدة حبات من (حشف التمر) وجرعة من اللبن الحامض الممزوج بماء المستنقعات الصحراوية (الخباري) حيث (تتزارق فيه الدغاليب) أقول في ذلك الزمن الأغبر (المغبّر) كرؤوسنا التي تشبه أشجار القتاد الشوكية، كانت السيدة (لام) بالنسبة لنا نحن الأطفال المتعوسين مثل (الأم تيريزا)، بل هي بمعنى آخر مثل (روضة كاملة) لأطفال العشيرة، فهي التي تحاسبنا وتحاسب أمهاتنا على نظافتنا وهي التي تتأكد من صلاحية طعامنا وهي التي تباشر عملية الاستحمام بيديها الكريمتين للأيتام منا وهي التي تشوي لنا الخبز والفقع أحياناً وتغلي لنا الحليب، وهي التي تعلمنا الأدب واحترام بعضنا البعض واقتسام قطعة الخبز (المقمّرة) ودهنها بالزبدة وهي التي بالتالي تقصّ علينا الحكايا الجميلة حتى يُداهمنا النوم ويذهب كل منا لأهله وهي التي تساعد أمهاتنا في الشدّ على الإبل أثناء الرحيل وهي التي تصلح ما مال من الرحل أثناء (الضعينة) وهي باختصار شديد هي أم العشيرة التي أرضعت أغلب أبناء جيلي في السنوات العُجاف حيث الأمهات - آنذاك - كن يعانين الهزال وفقر الدم وسوء التغذية. والسيدة (لام) لم تُغضب أحداً في حياتها ولم تَغضب على أحد طوال عمرها المديد بإذن الله. وظلت - أطال الله بعمرها - وفيّة لبداوتها - حتى تجاوزت اليوم عقدها الثامن إذ ظلت تتنقل بكل همة ونشاط في صحرائها الغالية تربي الغنم وترتحل إلى ما قبل أعوام قلائل نحو مساقط المطر في البراري الفساح وإلى أن استقرت أخيراً في قرية صغيرة على هامش الصحراء لتراجع الأطباء بعد أن تعبت أقدامها الكريمة من مسيرة الحياة التي قضتها بأعمال البّر والخير والمحبة والوفاء، لذا فقد آن الأوان أن نرّد لها بعض الوفاء ولو ببعض كلمات الشكر كما وعدتها بذلك في آخر لقاء معها - مبعث المظاهرة المنزلية العتيدة إياها - ولم لا نشكر هذه السيدة العظيمة (أم العشيرة). أتدرون من هي؟ لن أقول اسمها لأنني أخاف أن يضبطنا متعاون (جاهل) مع الهيئة بتهمة (الاختلا..ء.ط) وحينها كيف أثبت له أنها أمي بالرضاع؟!!