حير المفهوم الجديد للسعادة الأطباء وعلماء النفس والاجتماع وخبراء الاقتصاد. ويبدو أن الثورة التكنولوجية والمادية لم تجلب كثيرا من السعادة لهذه البشرية المترعة بكؤوس البؤس والشقاء، من جراء ما تشهده بلاد العالم من ويلات الحروب والفيضانات والزلازل والبراكين وانتشار الأمراض وازدياد رقعة الفقر وحدّته.
ومن خلال الأبحاث الصحية لم يرد ما يؤكد أن السعادة قادرة على الشفاء من الأمراض بعد وقوعها، ولكن ربما يكون وجودها واقيا من حصول المرض. حيث يقول د. روت من جامعة إيرازم في روتردام في دراسة نشرت مؤخرا (إن السعادة لا تشفي، لكنها قادرة على إبعاد الأمراض). والمرض من مسببات التعاسة، وطارد للسعادة بلا شك، فكيف يتذوق المريض السعادة والمرض ينخر جسده؟!
وعلى جانب آخر، يرى بعض علماء النفس أن هناك ارتباطا وثيقا بين السعادة وطول العمر، مع اليقين بأن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن هؤلاء العلماء استندوا على ثلاثين دراسة أجريت في دول مختلفة على فترات تراوحت بين سنة وستين سنة تؤكد تلك النظرية؛ حيث يرى فينهوفن منافع السعادة وتأثيرها في طول العمر ويشبهها بتلك النتائج التي يأتي بها الإقلاع عن التدخين، للعيش فترة أطول. مؤكدا أن السعادة قد تزيد متوسط الأعمار من سبع سنوات إلى عشر سنوات، وأسباب هذه الظاهرة قيد البحث؛ حيث تساءل فينهوفن في الدراسة التي نشرها في مجلة (Journal of Happiness Studies) عما إذا كانت السعادة تساهم في إطالة العمر، وجاءت النتائج متفاوتة.
وعموماً، السعادة لا تؤخر ساعة الموت، لكنها تحمي الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة من الأمراض وبالتالي، ربما تكون سببا في حياة أفضل. فالأشخاص السعداء يهتمون أكثر بوزنهم وبعوارض الأمراض ولا يدخنون ولا يشربون المسكرات ولا يتعاطون المخدرات. كما أنهم اجتماعيون بطبعهم، يتمتعون بطاقة أعلى، وبانفتاح فكري أوسع ولديهم ثقة بالنفس أكبر. وحالة الحزن المزمن تؤدي إلى رد فعل يفضي على الأجل الطويل إلى آثار سلبية مثل ارتفاع ضغط الدم وإضعاف المناعة الجسدية. ولعلنا نذكر عبارة يرددها بعض الأشخاص المتذمرين حين يقولون (عيشة تقصر العمر!) ربما يقصدون الشعور بالسعادة وليس طول السنين، حيث تحسب سنوات المرء بأيام سعادته وعطائه والأهم عبادته.
والواقع أن سعادة الأشخاص تزداد من خلال إقامة روابط صداقة حقيقية تشعر المرء بالدفء والحنان، وكذلك الانتماء إلى مجموعة متناغمة، كما تلعب الحرية والديمقراطية والمؤسسات المنصفة والفعالة دورا كبيرا في سعادة المجتمعات.
ويشترك علماء الاقتصاد في دراسة أسباب السعادة ولكنهم دوما يتساءلون:( لماذا لا تعطي الأشياء المادية سعادة حقيقية ؟) ويقول بيل ماكين في كتاب نشره عام 2007م: (إن فكرة وجود حالة نفسية تعرف بالسعادة المادية يمكن وصفها وقياسها، يسمح لخبراء الاقتصاد بأن ينظروا للحياة بشكل مادي، بينما السعادة حالة نفسية بحتة، وهو ما يدعونا للكف عن توجيه سؤال: ماذا اشتريتم؟ وكم تملكون؟ ولنسأل: هل تعيشون جيدا؟!).
وبحسب مجموعة الاقتصاديين عندما تبلغ قدرة الفرد الشرائية سقف10 آلاف دولار سنويا فإن المنافع التي تقدمها الشروط المادية من ناحية السعادة تزداد بشكل مطرد. ولعل خبراء الاقتصاد يروجون لمفهوم الاستهلاك وأنه يفضي للسعادة، بخلاف المفهوم الإسلامي الاقتصادي الرفيع الذي يؤكد أن الزهد والقناعة أحد القنوات الموصلة للسعادة. وليس في ذلك دعوة للبخل أو التقتير أو التضييق على الحال، ولكنه تشجيع على التكاتف الاجتماعي من خلال بذل المال للمحتاج والمحروم، والصدقة للمستحق، والزكاة للفقير.
ولعل الأطباء وعلماء النفس والاجتماع والاقتصاد والتاريخ والتربية لا يختلفون على أن السعادة بمفهومها الحقيقي لا تعدو عن الرضا بمعناه الجميل، المريح للنفس والجسد!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com