إذا عَنَّ للذهن ما يود طرحه من أفكار وآراء وانطباعات وانعكاسات عقلية ونفسية، وأصداء للأحداث والأنباء، فإنه يتهيأ للشروع في الإعداد والتجميع وتصور كيفية الابتداء والانطلاق والانتهاء إلى الغاية، فإن كان الموضوع محدودا قليل التشعبات سهلت البداية والنهاية، وإن
|
كان العكس هو الحاصل فأول سؤال يطرحه صاحبه على نفسه هو: من أين أبدأ؟ وكيف؟.. ومهما حاولت تغطية الموضوع فستبقى جوانب عديدة غير مستحضرة، أو استحضرت ولكنها غير متكاملة، أو استكملت ولكن يمكن أن تستكمل على نحو آخر وبأسلوب مغاير قد يكون الأفضل والأمثل.. وهكذا تكون الحيرة أمام التشعب والتوالد وما يجدّ.
|
لكن العمل يتطلب - على أي حال - البدء مع محاولات التكامل من مقلّ، والحديث عن العصر من شاهد على العصر في أول القرن الخامس عشر الهجري، عصر الكثافة السكانية في العالم وتحوله إلى عالم صغير أشبه بقرية كونية أو كوكبية صغيرة بجوار الكواكب والأجرام السماوية الأخرى، عالم صغير اختصرته وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة التي تملأ الدنيا بالأحداث وأخبارها المتعاقبة، التي يطرد آخرها أولها وسابقها لكثرتها وتوالدها فضلاً عن التعليقات عليها وتحليلها حسب تنوع المبادئ والآراء واختلاف المصالح والأهواء.. التعبيرات الانعكاسية للإنسان عما يجري حوله في هذا الزمن وهذه الظروف يتوقع أن تعجز عن إحصاء وإبقاء كل ما يمر بها ولا تقوى على التوثيق فيه حتى ولو كانت لدى هذا الإنسان العازم (بنوك) ومراكز معلومات تجيد إلى أبعد الحدود التوثيق والتدقيق والتحقيق مع كامل التوفيق؛ لذا يعتمد الإنسان الصادق، ولو بدون وثائق مستحضرة، على تراكم المعلومات لديه، وتواتر وقوع أحداث تعزز في تواترها توقعاته وحدسه واستقراءاته واستنتاجاته واستنباطاته، وإذا حصلت التوقعات لا يقال إنها مجرد تخرصات، وإنما هي دراسات مبنية على أسس علمية حتى ولو لم تعطها الجهات الأكاديمية شهادات براءة، لكن يظل تواجد كل الأمثلة أمراً صعباً، وبخاصة إذا اقترن المطلب بذكر المصادر وتواريخ الأحداث.
|
ومع ذلك فإن القلة التي تستقصي وتتكون بوصفها جهة اختصاص وخبرة يمكنها الرجوع إلى المراجع والمصادر ذات الصلة والعلاقة لتجد ما يعزز ما دفعها إلى البحث والاستقصاء والمعلومات بدءا من الوثائق الورقية التراثية إلى شبكة (الإنترنت)، ومروراً ب (السلايدات) و(الأفلام) التي لم تدع لراغب الاطلاع عذراً، لكنَّ كثيرين يكتفون بالآراء والتحليلات التي اعتمد عليها مبدي الأفكار إذا كان فجراً صادقاً يسعى إلى كشف الحقائق وفقاً للوقائع وجلاء مفاهيمها لديه بأمانة صاحب المبادئ لا المصالح، وظهور مفاهيمها وفقاً لمدلولاتها المنطقية، وثبوت دلائلها إثر التواتر ومعقولية الارتباطات والقرائن، ومع حيادية عقلية أو عاطفية ملتزمة بالصدق والأمانة وتحري الحقيقة. إنَّ تراكم المعلومات ذات القاسم المشترك في معانيها ومؤدياتها تبقي لدى دارس اليوم القاسم المشترك لها وإن نسي مع الزمن تفصيلاتها ورواياتها. والأديب والطبيب والمهندس والمدرس وغيرهم لا يستطيع أي منهم، إذا كان يحمل الهمّ العام لأمته وللإنسانية، لا يستطيع أن يقول إن السياسة فن مستقل لا يخوض فيه إلا السياسيون وأشباههم كالصحفيين المختصين؛ إنَّ السياسة اليوم هي همّ حياتي يمسُّ كل إنسان مهما كانت صفته وصفة اهتماماته وانشغالاته.. إنَّ السياسة اليوم هي الاهتمام بالمعيشة والثقافة والحضارة والعلاقات الإنسانية، وهي هموم أو اهتمامات المربي والقاضي والأديب والطبيب والمهندس والطالب والعامل والفلاح والتاجر.. إذاً هي أمر مشاع ودعوة جفلى للإسهام فيها، وكلٌّ من جانبه وجوانب اختصاصاته واهتماماته يكون عنصراً، وبه مع العناصر الأخرى تتكون الدراسات المتكاملة عن الأوضاع والأحوال السياسية بمختلف دوائرها المائية، وبذلك تتكامل الرؤية من مختلف الزوايا والأبعاد، ويكون لدى المتلقي فرصة انتقاء المصداقية في المعروض لديه من الآراء بدلاً من الوقوع في براثن المكذابية التي تدعي لنفسها مسمى مضادها، وخاصة لدى فريق كبير جداً من السياسيين المحترفين المنحرفين.
|
والمبادئ الصالحة الطيبة التي درسناها في المدارس، وقرأناها في الكتب، وجدناها في واقع الحياة من سياسيي العالم، أو قُلْ معظمهم، تُردَّد ولكن على نحو خادع مخاتل مخادع؛ فالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحق تقرير المصير، والثورة الفرنسية التي حققت جزءاً كبيراً من ذلك، وتمثال الحرية في نيويورك الذي يوحي بأنه رمز لدولة عظمى تُحترم فيها الحقوق والحريات والملكيات الخاصة والعامة.. تبيَّن أنها ليست كما درسناها لتكون أقوالاً تطابقها الأفعال ورموزاً تعني معانيها في مواطنها، وإنما هي في غرب اليوم الحديث أقوال تناهض تماماً الأفعال إلا ما جاء عرضاً للتمويه والتلميع، والمبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية صارت اليوم في خبر كان ومهب الرياح (البوشية)، حتى حقوق المرأة المدغدغة ليست على ظاهرها، وإنما هي في معظمها إثارة شغب في عش الزوجية والأسرة والمجتمع.
|
ولأن شاهد العصر إذا أدلى بشهادته فإن عليه أن يقول ما تكون لديه من محصول ونتائج الأحداث متحريا الصدق ودقة التعليل فمَنْ قَبِلَ منه صدقه فبها.. وإن لم يقبل فعليه أن يضع نفسه في حكم المعارض الشريف أو صاحب الهوى الذي يعرف الحقيقة ويعارضها قصداً بدعوى أنه لم يجدها وأنه سيبحث في موضع آخر وآراء مغايرة عنها؛ ولذا قد يختلط الحابل بالنابل، لكنَّ الصادقين من المتلقين قلوبهم دليلهم، والكلام الصادر من القلب يستقر في موضع آخر من القلب أيضاً، ومن صدق في نشدان الحقيقة عثر عليها ووجدها تحت سوط جلاد القرن العشرين الميلادي، وبالأصح مع دقة التوقيت آخر القرن العشرين.
|
إننا نعيش الزمن الأمريكي بل الإسرائيلي وقولدا مائير وموشي ديان ونتن ياهو وشارون ومردخاي، وترومان وجونسون وميجور وايدن، وجي موليه ومتران، والوارثون أسوأ: بلير وبوش وتشيني وساركوزي وشيراك، وما أدراك أننا نعيش الزمن الصليبي ولا أقول النصراني أو المسيحي؛ لأن الصليبية حروب عدائية تعارض دينها أخلاقياً، بل إننا نعيش الزمن الإسرائيلي، أي الصهيوني، ولا أقول اليهودي، لا خشية الاتهام بالعنصرية أو اللاسامية؛ فالكاتب هنا ساميّ، ولكن لأنَّ من اليهود مَنْ يُستثنى، ولو أنهم قلة، ولربما يُقال الشاذ لا حكم له، لكن قياس النسبة غير متيسر؛ ولذا فالحديث عن اليهود أو النصارى أو غيرهم يعني العام والأغلبية ولا يعني الجميع، واليهود هم من قال الله فيهم ?لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا...? صدق الله العظيم.
|
إنَّ زماننا هذا في ظاهره هو الزمن الأمريكي، ولكن (بل) ألغت ربط الزمن بأمريكا لأنه في حقيقته غير الظاهر نسبيا، بل هو زمن الصهيونية المسيطرة حتى على أمريكا القوة القوية في يومنا هذا، فهي التي - بدهاء وخبث - تدير أمريكا؛ ولذا لا غرابة إذا كانت مواقف وقرارات أمريكا تخدم (إسرائيل) ولو عارضت خدمة أمريكا ومصالحها الحالية والمستقبلية، ولقد أعجبني رسم كاريكاتيري تمنيت من الرسامين الآخرين أن يستوحوا منه معناه في رسوم مماثلة، هذا الرسم فيه علم أمريكا وقد انتقضت غالبية خيوطه وبدأ رسمه يتلاشى؛ وذلك لأن يهوديا ينسج علم (إسرائيل) الصهيونية ذا النجمة السداسية من خيوط علم أمريكا الذي بدأ في التلاشي والزوال، في حين أخذ علم اليهود في الإتقان والكمال والظهور. إن قيادة أمريكا المقودة تخشى مما يهدد (إسرائيل) وتتهيب منه أكثر من خشيتها مما يهدد أمريكا ذاتها!
|
الشعور بقوة وإتقان النفوذ (الإسرائيلي) اليهودي الصهيوني يجب أن يوجه لضخ الدماء النابضة في عروق المقاومة والممانعة، وليس الهدف التثبيط؛ لأن كل الهزائم مهما تكررت وتعددت لا تعد هزيمة قاضية، إلا إذا استصحبها الاستسلام، أما الهزائم فإنها أحيانا كثيرة تكون تطعيما وشد أزر، وكسب تجربة تقوي وتنشط وتدرب وتعلم لتكون مزيداً من احتمالات وعناصر النصر، الطموح والتصميم والعزيمة والمقاومة والممانعة واستعادة النشاط تجعل الهزيمة شبحاً لا حقيقة، ووعكة عابرة لا مرضا مزمنا مقعدا منهيا، لا يرتاح للعدو بال حتى يحصل الاستسلام تحت غشاء وتمويه السلام.
|
(إسرائيل ستزول) شعار إذا بقي حياً سنظل أحياء رغم عوادي الزمن العابرة، والموت حق، والشهادة خير من الهلاك كما يموت البعير، الروح العالية المتفائلة المستبشرة لا تموت وإن كثرت الطعنات بجسدها، أما المنهزمة الذليلة فهي الميتة ولو كانت في جسد متحرك يمشي. من يُستشهد ينوب عنه من يولد.
|
|
1 - هل يتوقف بناء المغتصبات (المستوطنات) أربعة أشهر أم سنة أم سنتين موضع خلاف، لكن المتفق عليه أن التوقف مؤقت! مهزلة.
|
2 - المفاوضات تكون مباشرة أو غير مباشرة، وشروط العرب لبدء المفاوضات، ولكن الحوار والإنجاز إنما لبدء مفاوضات اجترت لسنوات تليها سنوات، والمفروض أن تكون شروط ما قبل المفاوضات هي إيجاد دولة ديمقراطية لفلسطين جميعها، أو انسحاب (إسرائيل) إلى جميع حدود 67 على الأقل، وعلى هذا الاتفاق تبدأ المفاوضات المجدولة لترتيب الانسحاب.
|
3 - الضفة وغزة بقايا فلسطين، ولمعرفة أن اليهود يعدون الضفة لهم أيضا ها هم كخطوة أولى سيهجرون أهل غزة إلى غزة من الضفة وكأنهم ليسوا في بلادهم إذا صاروا في نابلس أو رام الله!
|
|
4 - أمريكا دولة الديمقراطية! - كما تدعي - على ألسنة رؤسائها تدعم وتؤيد بحماس لا يحد ولا نظير له دولة صهيونية يهودية عنصرية ليس بها نصارى أو مسلمون أو غيرهم، ولو كانوا أهل فلسطين، من يعارض هذا التناقض الصريح المفضوح ينسى أن أمريكا تدعم في العالم الانتخابات المزيفة وتعارض الانتخابات النزيهة ومع هذا يُقال عنها ديمقراطية.
|
5 - تهويد القدس والأقصى على قدم وساق، ومع ذلك فالعرب:
|
ألهوا بنفل أمورهم |
عن دفع ذل واصب |
|