التنمية الاجتماعية لن تحقق ثمارها المرجوة ما لم تنطلق من مفردات الحياة اليومية المعاشة، وتتعامل مع المشكلات والاحتياجات الحقيقية التي تتفاوت بتفاوت المكان وتباين الزمان، وتختلف باختلاف معطيات البيئة ومؤشرات العصر، وتستند على مداخل مدروسة وتحليل وظيفي للمجتمع، ومسح واقعي لوحداته والتخطيط للوفاء بمتطلباته واحتياجاته وحل مشكلاته بما يضمن التماسك والتكافل ويحقق الرقي والرفاهية وينعكس إيجابياً على تحقيق أمن المجتمع بمفهومه الكامل. ومن ثم فقد طرح على الساحة العالمية - فكراً وممارسة - العديد من المفاهيم والتجارب والصيغ المتنوّعة للعمل ضمن هذا الإطار، واختلفت المضامين والآليات باختلاف طبائع المجتمعات ومنطلقاتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية. وفي بلادنا المعطاء المملكة العربية السعودية خفت نتيجة التحضر والمدينة والانشغال في الحياة الشخصية قيم الجيرة، وضعفت العلاقة بين أفراد الحي الواحد، مما جعل الجار لا يعرف عن من يسكن بجواره شيئاً سواء أكان سلبياً أم إيجابياً، بل ربما لا يعرف حتى اسمه، مما ولَّد الحاجة لوجود بدائل تتلاءم وظروف ومعطيات العصر وتفي بمتطلبات الحي السعودي الجديد، وتفتق الذهن الواعي عن فكرة «مراكز الأحياء» المنبثقة عن الجمعيات الخيرية للخدمات الاجتماعية، ويقصد ب»مراكز الأحياء» تلك الآلية التابعة للجمعية والتي تعمل وفق منهجية مدروسة وهيكل متكامل من النواحي البنائية والإدارية والفنية والتي تضمن وصول خدمات الجمعية في سهولة ويسر إلى كل حي وفق طبيعته الأيكولوجية والسوسيولوجية ويشترك في إدارتها وتفعيل دورها جميع سكان الحي المستفيدين من خدمات المركز التي يتضمنها نظام الجمعية ولائحتها الأساسية. وتنبثق أهداف المركز من هذا المفهوم، والمطلع على اللوائح والتنظيمات لعمل هذه المراكز في كثير من مناطق المملكة يعرف كم هي مهمة ومتعددة الأدوار، ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى ارتباط فعاليات عمل المراكز بمنطلقات مقام وزارة الداخلية الموقر وإستراتيجيتها الأمنية الشاملة التي تقوم على عدة اعتبارات، من بينها اعتبارات يمكن لمراكز الأحياء المساهمة فيها مثل:
- الحفاظ على مكتسبات ومقدرات الوطن الذي يعد الإنسان أهم مقوماته.
- رفع مستوى الوعي الأمني المجتمعي عن طريق تنمية الحس وحفز الشعور بالمسئولية لدى أفراد المجتمع.
- نشر الوعي الأمني للحي وتنميته لدى كافة شرائح السكان مع مراعاة اختلاف مضامين هذا الوعي باختلاف الفئات العمرية والمستويات التعليمية في جميع الأحياء.
- تحقيق الأمن الفكري بمعالجة السلوكيات والمفاهيم الخاطئة وغرس وتنمية المفاهيم السليمة التي تقف ضد الإرهاب والتطرف والانحراف والفساد.
- استثمار الأنشطة، والمناسبات الاجتماعية التي تقيمها مراكز الأحياء في دعم تنمية الاتجاهات والقيم الداعمة لأمن الوطن والمواطن.
- مساهمة لجان الشباب بمراكز الأحياء قي تنمية الوعي المروري كأحد محاور الأمن الشامل.
- مساهمة لجان إصلاح ذات البين في معالجة الكثير من القضايا المتعلقة بالأمن الأسري.
- تقديم الرعاية الاجتماعية للأحداث وذوي الحاجات الخاصة بالحي مما يكرس لديهم قيم المواطنة الصحيحة ويحد من اتجاهاتهم السلبية.
ومع كون هذه الفكرة رائعة ورائدة إلا أنها وللأسف الشديد واجهت وما زالت تواجه عدداً من المشكلات حالت دون تحقيقها للأهداف التي رسمها المؤسسون لها، لعل من أبرز هذه المشاكل:
مشكلات اقتصادية مالية: تتمثَّل في نقص التمويل اللازم للوفاء بجميع الخدمات التي تسعى إليها أهداف الجمعية فضلاً عن صعوبة الحصول على أراض لبناء مقار لهذه المراكز مما يقتضي تفعيل مصادر التمويل وتحقيق قدر أكبر من التعاون بين وزارة الشئون البلدية والقروية المالكة لهذه الأراضي ووزارة الشئون الاجتماعية المشرفة على الجمعيات الخيرية للخدمات الاجتماعية.
مشكلات اجتماعية: تتمثَّل في ضعف الإقبال على العمل الأهلي / التطوعي وعدم الوعي الجماهيري بفعالياته وغياب الآلية المناسبة للتعرّف على القيادات التطوعية في الأحياء وخاصة من النساء.
مشكلات تنظيمية وإدارية وقانونية: ترتبط في مجملها بعدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشئونهم وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغباتهم، وعدم الإعلام الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها فضلاً عن غياب برامج تدريب المتطوعين والإسراف في الخوف والشللية التي تعرقل سير العمل.
مشكلات فنية: تتمثَّل في نقص الكوادر البشرية والمهارات الفنية اللازمة.
أتمنى أن ينبري أهل الاختصاص ورجال المال والأعمال ورواد العمل الأهلي / التطوعي ومن قبل وزارتا الشئون البلدية والقروية والشئون الاجتماعية لحل هذه المشكلات والالتفات لمراكز الأحياء التابعة للجمعيات الخيرية للخدمات الاجتماعية وتفعيل الجانب الأمني في دائرة الحي الواحد خاصة ما يتعلق بالأمن الأسري والفكري، ولتتكاتف جهود القائمين على هذه المراكز مع إمام المسجد والخطيب والمعلم والمرشد الطلابي في مدارس الحي المختلفة لعلنا نحقق الأمن المطلوب ونقي أفراد حينا ويلات التطرف والإرهاب وشرور التشرذم والفساد. وإلى لقاء والسلام.