كعادة السعوديين العابرين جسر البحرين، كان لا بد أن أزور مجمع السيف، وأنساق ملهوفاً تجاه مجمع السينما كي أرى الجديد. لم يكن هناك شيء لافت، أو مما قرأت أو سمعت عنه من قبل. فكان لا بد أن أتصفح «البروشور» كي أقرأ قليلاً في ملخصات الأفلام، حتى استوقفتني حكاية فيلم «صراع الجبابرة» الذي يتبنى أسطورة إغريقية شهيرة، وهي محاولة برسيوس النصف بشري، نصف إله، لإنقاذ الأميرة أندروميدا من التضحية بها، واسترضاء «الكراكن» الذي سيدمر مدينة «آرغوس» ما لم يتم استعطافه. ويخوض برسيوس «الممثل الأسترالي الموهوب سام ورثنغتون» رحلة مرعبة في صراع الجبابرة، يدعمه في ذلك البشر والجن، كي يحصل على رأس أخطر مخلوقات الأساطير الإغريقية، وهي الجرجونة ميدوسا التي تحيل الأحياء إلى حجر بمجرد نظر عينيها، وهي الوسيلة الوحيدة لتدمير الكراكن وقتله.

المهم في الأمر، ليس الفيلم، ولا قصته التي اعتمدت على أسطورة، ولا أداء الممثلين البارع والإمكانات الضخمة والكلفة الإنتاجية البالغة 70 مليون دولار، ولا السيناريو الذي أعيدت كتابته أربع مرات وبلغت كلفته 12 مليون دولار.

كما لا أريد الحديث عن موجة هذا النوع من الأفلام التي تجادل حالة كوكب الأرض وسر الوجود، من نوعية أفلام «أفاتار» أو «2012» وما شابه ذلك، تلك الأفلام الهوليودية التي استثمرت التقنية السينمائية الجديدة والمذهلة.

وبصرف النظر عما حققه الفيلم من أرقام مبيعات ضخمة في أيامه الأولى، فإن ما لفت انتباهي هو شخصية الجني في الفيلم، الذي لم يظهر إلا في مشهدين أو ثلاثة فقط، ولم يتكلم إلا كلمات قليلة جداً، وباللغة العربية، مما جعلني أحاول أن اصطاد شيئاً من كلماته، وظللت طوال مدة الفيلم، وحتى بعد خروجي من صالة السينما، أسأل نفسي، ما السر في جعل هذا الكائن يتكلّم العربية؟ هل سيستثمر العربي في الموجة الجديدة من أفلام هوليود الأخيرة كمخلوق آخر، غير بشري؟ كما ظلت السينما الغربية لسنوات طوال تقدم العربي كرجل همجي متخلّف أو إرهابي! ما هي لغة الجن الأصلية؟ وهل لهم لغة واحدة مفهومة أم مجموعة لغات؟ وهل الجن الذي يتلبس امرأة أمريكية سيتحدث الإنجليزية بلكنة أمريكية أم سيتحدث لغة الهنود الحمر؟

قلت لنفسي ربما أن العربية من اللغات القديمة مثلاً، لكن لِمَ لا تستخدم العبرية مثلاً، أو غيرها من اللغات السامية؟ بل لِمَ لا توظف لغة أخرى، لغة قديمة مرتبطة بالأسطورة ذاتها، أي لغة غير مفهومة، وتترجم إلى الإنجليزية؟!

لا أعرف كيف استجلبت صورة الفنان الراحل سيد مكاوي، وأنا أرتشف قهوتي بعد الفيلم، وهو يغني على الشاشة بالأسود والأبيض: الأرض الأرض الأرض... الأرض بتتكلّم عربي! فهل الأرض وحدها تتكلم العربية سيد مكاوي؟ أم أن ما وراء الأرض، ومخلوقات الجان أيضاً تتكلم العربية حسب مواصفات هوليود الجديدة؟