المسؤولون عن المشاريع التنموية في الدولة ثلاث جهات رئيسة: وزارة التخطيط، والجهة التنفيذية، ووزارة المالية. إذا اختل أحد أضلاع هذا المثلث اختلت النتيجة بالضرورة. الجهة التنفيذية هي المعنية مباشرة بتنفيذ المشاريع، وكذلك تشغيل وصيانة المشاريع بعد التنفيذ. وزارة المالية هي المسؤولة عن توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتمويل التنفيذ، وكذلك تمويل التشغيل والصيانة. أما وزارة الاقتصاد والتخطيط فهي الجهة التي (يفترض) أنها المعنية بتحديد المشاريع التنموية وتوقيت تنفيذها في فترات زمنية محددة، وهي التي تحدد - أيضاً - الأولويات، وكذلك (يفترض) أنها المسؤولة - نظرياً - عن (متابعة) تنفيذ خطط التنمية، والتأكد أن ما تمَّ التخطيط له يسير حسب الخطة المعتمدة، والموافق عليها من السلطات العليا في البلاد؛ لذلك يجب أن تكون وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط: (على اتصال دائم للتشاور وتبادل المعلومات للتوصل إلى تنسيق كامل بين متطلبات الخطة العامة للتنمية وبين الموارد المالية المتاحة). وهذه العبارة - بين القوسين - اقتبستها (بالحرف) من موقع وزارة التخطيط على الإنترنت.
السؤال: هل هذه الصورة (المتناغمة)، والأدوار الموزعة بين جهات الاختصاص، تعكس ما يجري على الواقع؟.. الجواب مباشرة ودون أية مجاملة: (لا).
وزارة المالية تعمل مثل ما كانت تعمل قبل ستين سنة؛ يعني (كما كان المرحوم ابن سليمان يعمل)؛ فلا تهتم بخطط، ولا علاقة لها بأولويات، وآخر ما يهمها - على ما يبدو - خطط وزارة التخطيط التنموية؛ فقضيتها الأولى والأهم (خفض النفقات)؛ حتى وإن كانت تبعات هذا الخفض (كوارث) كما حصل في عدد من مدن المملكة مؤخراً، عندما تجاهلت طلبات تمويل مشاريع (تصريف السيول) في كثير من مدن المملكة.
عندما تبدأ الوزارات والمؤسسات الحكومية في الإعداد لميزانياتها السنوية، تضعها على شكل متطلبات، وترفعها إلى وزارة المالية، ثم تنتدب الجهة المستفيدة أحد مسؤوليها إلى وزارة المالية؛ ليجري هناك نقاش متطلبات الجهة الحكومية. هذا النقاش هو أشبه ما يكون (بالمكاسر) بين الشرّاي والبياع، أو أنه بصورة أدق أقرب إلى حوار الطرشان بين الجهتين؛ حيث لا تهتم وزارة المالية بأولويات متطلبات التنمية، وفي المقابل لا تهتم الجهة التنفيذية بظروف الموارد المالية المتاحة. وزارة المالية (تعصر) المتطلبات، والجهة المسؤولة تقاوم (العصر)؛ وبعد شد وجذب، وأحياناً (طالبك وتكفى)، ينتهي النقاش، لترضخ الجهة الحكومية (مُرغمة) لما تقره وزارة المالية في النهاية.
أعرف أن وزارة المالية تتعامل مع المتطلبات حسب الموارد المالية المتاحة، وتوقعات الدخل الذي هو عرضة للانخفاض والارتفاع حسب أسعار النفط، وأعرف أن الجهة الحكومية تحاول أن تحصل على الحد الأعلى لتنفيذ متطلباتها التنموية والتشغيلية، ولا يهمها الموارد المالية؛ غير أن غياب (وزارة الاقتصاد والتخطيط) عن هذه المفاوضات والنقاشات و(حِب الخشوم) بين الجهة التنفيذية ووزارة المالية غياباً كلياً، أحد أهم أسباب هذا الارتباك والقصور.. وزارة الاقتصاد والتخطيط هي الجهة التي يجب أن تقوم بالدور (التنسيقي) بين الجهة الحكومية (المستفيدة) ووزارة المالية؛ أي أن دورها يجب ألا ينتهي بالتخطيط، والعمل النظري أو الافتراضي، وإنما يجب أن تكون عنصراً فاعلاً وحاسماً في توزيع المتاح من الموارد المالية على متطلبات الجهات التنموية؛ بدلاً من أن تكون وزارة المالية هي الكل في الكل، أو هي بصورة أو أخرى الخصم والحكم.
إدخال وزارة الاقتصاد والتخطيط كعنصر رئيس في تحديد متطلبات الصرف على المشاريع التنموية (ضرورة) لإعادة ترتيب الميزانيات حسب المتاح من الموارد المالية، وكذلك للتخفيف من (انفراد) وزارة المالية وسيطرتها على توجيه التنمية الاقتصادية والخدماتية في البلاد.
إلى اللقاء.