الحق على الخروف.. نعم.. هذا إذا كان خروفاً بحق وحقيق، وليس عجلاً سميناً، أو ثوراً بديناً، أو غير ذلك مما يُعلف ويُكلف، ويُنقى فيُسقى، فيأتي على البقية الباقية، من المياه الجوفية، في ديارنا الفقيرة في مياه شرب الناس، عوضاً عن ري الأعلاف، وسقي الخراف.
- يقول إعلان الخروف، الذي برز على صفحة كاملة برأس خروف، بأن الخروف (ما غيره)، يستهلك خلال ستة أشهر (250 ألف لتر) مياهاً غير متجددة، ولكي ينتج كيلو غراماً واحداً من اللحم، فإنه يحتاج إلى (25 ألف) كيلو غرام من الماء (على شكل أعلاف).
- بعد الذي تقدم، من أرقام تبدو وكأنها تبرر الذي تأخر، تهدينا وزارة المياه والكهرباء، حكمتها البليغة مع بداية موسم الصيف، حيث يشتد الحر، ويستعر القيظ، وتقفرّ الأرض، ويزداد الجفاف، وتبلغ حاجة الإنسان للماء أوجها.. تقول الحكمة (الكهرومائية) ما نصه: (استيراد الأعلاف بدلاً من زراعتها، أو استخدام الأعلاف المركبة، يوفر خمسة بلايين متراً مكعباً من المياه الجوفية غير المتجددة سنوياً، وهو يعادل ضعف استهلاكنا البلدي من المياه).. انتهى نص الحكمة، وقد تصرفت من عندي وحدي، فنصبت ونوّنت (مترها المكعب)، وقد كان غير ذلك في الإعلان المنشور في الصحف السيارة بين الناس، وفي هؤلاء الناس الذين قرأوا الإعلان، من يحرص على لغته العربية الفصحى، مثل حرصه على لتر ماء يأتيه عبر شبكة مياه للشرب، تظل جافة من الماء طيلة شهر وعشرة أيام، كما هو حال مليوني إنسان في الطائف والباحة وما حولهما..!
لا أدري لماذا ظننت -وبعض الظن ليس بإثم- أني وبقية سكان الطائف والباحة، مقصودين خصيصاً بهذا (الإعلان الخروفي)، الذي يبدأ برأس خروف مرفوع الأذنين، ومن تحتهما عين مغمضة وأخرى مبحلقة، فالحكمة التي أزجتها لنا وزارة المياه والكهرباء على مربع صغير بجانب عين خروف مغمضة، تحثنا على التبصر والتدبر والتفكر، وربما دفعتنا إلى الانشغال في الأشهر الثلاثة القادمة -وهي أشهر العطش الحقيقي الذي يتربص بنا من جديد للعام الثالث على التوالي- الانشغال بالأرقام العجيبة التي توصلت إليها ذهنية الوزارة في هذا الظرف الصعب، فلكي نفهم ونحن المهمومون بلترات من الماء كل يوم، لا بد أن نستخدم آلات حاسبة تضرب وتقسم وتجمع وتطرح، حتى نصل إلى فهم النسبة بين (ستة أشهر من عمر الخروف)، و(250 ألف لتر ماء مما يشربه الخروف)..! ونصل كذلك إلى المقارنة بين (كيلو غرام واحد من لحم الخروف)، ورقم (25 ألف لتر ماء غير متجدد)، ثم ننتقل بعدها إلى فهم (25 ألف كيلو غرام ماء)؛ و(شكل أعلاف) في حياة الخروف، الذي دخل تاريخنا من بوابة حاجتنا لمياه الشرب في هذا العام 1431هـ، فكما كان أسلافنا رحمهم الله، يطلقون تسميات على سنوات لها بصمات في حياتهم وتاريخهم، منها سنة الرحمة، وعام الرمادة، وعام الجراد.. إلى آخر القائمة.. ألا يحق لنا في (طائف العطش)؛ تسمية سنتنا هذه -وليس (عامنا)- بسنة الخروف..؟! أو سنة العطش والعطشة، وليس العطس والعطسة، فرب عطسة، أعقبتها عطشة، ولا حول ولا قوة إلا بالله..!
- خلال ستة أشهر.. يستهلك الخروف المسكين، (250 ألف لتر من المياه) كما تقول وزارة المياه.. وقبل أن تظهر أشهر الخروف الستة هذه بثلاث سنوات، كان لنا في الطائف المعطوش -بدلاً من (المأنوس)- ستة أشهر، نوعد فيها بالري، ونمنى بالسقيا.. كلما أقبل الصيف بلهبته وصهدته، قالوا لنا: ستة أشهر وتتضاعف كمية الطائف والباحة..! لكن تأتي الأشهر الستة، فنعطش فيها ولا نُروى، ونيبس فيها ولا نُسقى، ثم نكر ونقر ولا نفر، وتكر وتقر معنا وعود الأشهر الستة، إلى أن تمخضت الوعود السنوية (الكهرومائية)، فولدت أخيراً خروفاً بديناً وسميناً، له أذنان مرفوعتان، وعينان عسليتان، يفتح اليمنى للرؤية المائية، ويغمض اليسرى للحاجة الكهربائية، ويتحدث إلينا عن سبب نقص مياه شربنا في الطائف والباحة صائفة وقائظة كل عام، وأن ذلك مرده إلى جهلنا بحقائق وأرقام فلكية، تتصل بعلاقة الماء بالخرفان التي نربيها على سفوح جبالنا، فإما أن نفهم هذه الحقائق بعقلية (كهرومائية) متطورة، فنقضي على خرفاننا، ونذبحها في جبال وأودية الطائف والباحة، من أجل أن نشرب ما كانت تشرب من ماء، وإما أن نُبقي على جهلنا المركب، ونُبقي معه على خرافنا العجاف، فنرضى بالعطش، ونكتفي بقطارة ماء تحلية الشعيبة، التي ربما شربتها خرفان وادي نعمان، قبل أن تشربها خرفان الهدا ووادي وج وعقيق الباحة..!
- ما علاقة الخروف بطباخ التمر، خاصة وأن التمر سوف يطبخ بعد أيام على نخله..؟!
- قيل من باب التنكيت لا التبكيت ولا التبهيت، إن والياً تركياً في الزمن القديم، حل زائراً بالمدينة المنورة في أشهر الصيف القائظة، ثم أخذ يتضجر من الحر الشديد، وراح يسأل عن سبب هذا الحر الذي لم يعهده. قال له بعضهم: هذا الحر بسبب طباخ التمر يا مولانا. قال: ما هو طباخ التمر هذا..؟ قيل: حرارة شديدة تأتي على النخل، حتى يستوي التمر في هذا الوقت. قال: إذن النخل هو سبب هذا الحر الذي نحن فيه. اقطعوا كل النخل ونستريح من شدة الحر..!
- هل توافقوني يا أبناء الطائف والباحة: نذبح كل الخراف على أرضنا العطشى، إذا تعهدت لنا وزارة المياه، أن لا نظمأ بعد اليوم أبداً..؟!
assahm@maktoob.com