المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والوحدة.. منطلق رسالة الإسلام الخالدة.. ومهبط الوحي وموئل الحرمين الشريفين.. قامت وتأسست على هدى من كتاب الله تعالى.. وسنة رسوله المصطفى محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه.
وحَّد شتاتها الإمام الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه..
فكشف الله به الغمة، وأحل الوحدة محل الفرقة.. والوئام بعد الشتات، والإخوة والمحبة بدل التناحر والاختلاف.. وسار على نهجه أبناؤه الميامين حكام هذه المملكة الغالية.
فبدل الله خوفها أمنا.. وفرقتها وحدة.. وفقرها غنى.. اعتصمت هذه البلاد المباركة بحبل الله المتين.. وتمسكت بأهداف الدين الحنيف وبالوسطية السمحة.. وبالسلفية المعتدلة.. فعمَّها الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار..
إنَّ الأمن والاستقرار ركيزة أساسية في بناء الدول وتطويرها ونموها الاقتصادي.. وتحقيق طموحات الشعوب في الرخاء والعيش المطمئن الرغيد.
وبدون الأمن في أي دولة - أقصد الأمن الحسي والأمن الفكري - لا يتأتى لهذه الدولة قاعدة راسخة ولا نمو حضاري واقتصادي.. ولا استقرار يوفر العيش الكريم.
وفي هذا الزمن كثرت الفتن.. ونشط الغزو الفكري الهدام، ووجدت خلايا ضالة تؤمن بالتطرف والتكفير والإرهاب وقتل الآمنين الأبرياء ظلماً وعدواناً.
وبلادنا - حماها الله - قد تعرَّضت في السنوات الأخيرة لهذه الأخطار الداهمة والأفكار المنحرفة.. والأخطار المهلكة.. والتفجيرات الآثمة.
وأدت الجهات الأمنية الحكومية - ولا تزال - دوراً مشرفاً حسياً معنوياً في حماية الأمة من هذه الأفكار الضالة وشر هذه الأخطار المهلكة.
فالدور الحسي تجلَّى في قيام الجهات الأمنية بملاحقة أفراد تلك الفئات المتطرفة التي لا تريد إلا الهدم والسوء لهذا الوطن - حماه الله - والقبض عليهم، وقامت بحملات وقائية ناجحة حمت البلاد من شرور عظيمة.
أما عن الدور المعنوي فتجلَّى واضحاً في لجان المناصحة التي تضم نخبة من العلماء والمفكرين الأفاضل، وكان لها دور واضح في تصحيح المفاهيم الخاطئة.
إنَّ الحفاظ على الأمن الفكري تقع مسؤوليته على الجميع.. ومن ذلك المنابر في خطب الجمعة وندوات التوعية.. ووسائل الإعلام المختلفة والمدارس والجامعات والعلماء المفكرون والأسرة وما تقوم به هذه الجهات من جهود في سبيل حماية المعتقدات المعتدلة والحفاظ على القيم والدعوة إلى الوسطية التي تحارب الغلو والتطرف، وترسّخ النظرة والمفاهيم الدينية المعتدلة في أوساط المجتمع، ولاسيما الشباب. ونشير هنا إلى دورات الأبحاث العالمية التي ترعاها بعض الجهات الحكومية مثل دورة الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري، وهيئة الأمر بالمعروف، وإدارة الأمن الفكري بوزارة الداخلية وغيرها من الدورات الهادفة في الجامعات..
وعلماء الأمة يجمعون على أن الأمن الفكري هو الطريق إلى استقرار الحياة والنماء ومحاربة الإرهاب وشروره؛ لأنه صمام الأمن لمجتمعنا وللعالم.
والأمن الفكري هو قضية الساعة، ولاسيما في أوقات الفتن؛ حيث تنطلق الصراعات من الفكر الضال المنحرف والتكفير والتفجير.
إنَّ المتتبع لواقع مجتمعنا يرى بعض الغلو والتطرف الذي أظهرته فئات ضالة هم الخوارج الجدد فأخذوا يصدرون أحكام التكفير جزافاً، ويسعون في الأرض فساداً حتى وصل الحال بهم - مع شديد الأسف والأسى - إلى القيام بأعمال التفجير والتخريب في بلد التوحيد ظلماً وعدواناً وقتل الأبرياء والمعاهدين والعياذ بالله. وهي أعمال تخريبية لا يستفيد منها إلا أعداء الإسلام وأعداء هذه الدولة المباركة، دولة الإسلام والمسلمين في هذا العصر الذي عمت فيه الفتن والشرور، حمى الله بلادنا من ويلاتها، كما تتنافى ووسيطة هذه الأمة {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً}.
إن واقع الأمة يتطلب جهوداً كبيرة ومتعددة لمحاربة هذا الفكر الضال، والمطلوب أن يتسابق جميع القادرين على مختلف فئاتهم من جهات حكومية وعلماء ومفكرين وإعلاميين ورجال أعمال وأفراد وسواهم ببذل كل الجهود من أجل حماية العقيدة والوطن والمواطن والدولة ومكتسباتها الخيّرة وأجيالها القادمة.
إن الفئة الضالة التي تدعو إلى الغلو والتطرف قلة قليلة - بحمد الله - وقد أخذوا يصدرون أحكام التكفير بكل جرأة، وهي لا تمت للعقيدة بصلة، ويسعون في الأرض فساداً وتخريباً.. حتى وصل الحال ببعضهم - مع شديد الأسى والأسف - إلى القيام بأعمال التفجير والتخريب وقتل الآمنين ظلماً وعدوناً في بلد التوحيد بدل دولة الإسلام والمسلمين في هذا العصر.
إن الجميع مدعوون، ولاسيما القادرين، كل في موقعه، إلى مكافحة هذا البلاء ومحاربة هذا الداء بكل الوسائل والطاقات وتحمل مسؤولية ذلك والقيام بما يمليه الواجب الديني والوطن تجاه هذا الوطن وأبنائه وقيادته الرشيدة.. أفرادا وهيئات وعلماء وإعلاميين ومجتمعا وأسرا.. الكل مدعو إلى هذا الواجب.
ولعلي أشير هنا كمثال فقط إلى ما يقوم به بعض أبناء هذا الوطن الأوفياء على مختلف شرائحهم من جهود مشكورة في هذا السبيل، ومن هؤلاء الأخ الشيخ ناصر بن عبدالله التميمي، وهو رجل علم ومال في مدينة جدة، وله نشاط ملموس في المساهمة في إشاعة الأمن الفكري والسلام الاجتماعي؛ فله جهود طيبة مثل كثير من الأوفياء لعقيدتهم ولوطنهم وقيادتهم في البذل والتأليف والخطابة والمحاضرات وتوجيه الشباب للطريق الأقوم والصراط المستقيم ومنهج الاعتدال، كما أن له نشاطاً في التأليف؛ فقد ألَّف كتاباً يحمل اسم «الكواشف الجلية في تمسك حكام المملكة العربية السعودية بأحكام الشريعة الإسلامية»، وهو كتاب قيّم في بابه، تحدث فيه عن الأسس الدينية الراسخة التي قامت عليها الدولة السعودية المباركة، وعن الملامح الإسلامية لدى حكام المملكة واهتمامهم بنشر العقيدة الإسلامية الصافية ومحاربتهم للأفكار الضالة ونشرهم للعدل والقسط بين الناس والتمسك بالدين والعقيدة الوسط، كما أشار إلى ما قدموه من أعمال ومنجزات لخدمة الإسلام والمسلمين، وهي أكثر من أن تحصر.
وأشار في كتابه إلى ما تتميز به المملكة من مظاهر إسلامية ومبادئ قيمة لا توجد في سواها.
قام هذا المواطن الوفي بتبني «مسابقة للأمن الفكري»، تجرى بين الشباب حول مضامين كتابه المشار إليه، رصد لها مشكوراً ومن ساهم معه جوائز قيمة، وهو بصدد الآن التنسيق مع الجهات المعنية في إكمال تحقيق هذا المنجز الهادف والعمل الجليل، وقد ذكر لي في أحد لقاءاتي معه أنه قام بهذه المبادرة وفاء للدين والوطن وللقيادة الرشيدة وللأمة ومساهمة منه في محاربة للغلو والتكفير والفكر المنحرف الضال؛ حتى تستمر نعمة الأمن والاستقرار والخير العميم في هذا الوطن الغالي.
إنَّ هذه المبادرة من الشيخ ناصر التميمي - وفقه الله - هي مبادرة حرية بالإشادة والتنويه، وجديرة بالشكر والتقدير والثناء.. وفقه الله تعالى وجزاه الله خير الجزاء، وهي دعوة لجميع القادرين على مختلف فئاتهم وأطيافهم، وفي مختلف المواقع، إلى المبادرة والمساهمة الفعّالة في هذا الجانب المهم، ولا شك أنهم فاعلون لخدمة الدين والوطن ووفاء للقيادة الرشيدة وولاء لها. والله خير موفق ومعين، وحمى الله بلادنا بلاد الحرمين من كل سوء ومكروه، وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار في ظل هذه الدولة المباركة.
الرياض