آخر ما يتمناه المستثمرون رؤية أصولهم المالية تتناقص دون أسباب أساسية مُقنعة، أو متغيرات اقتصادية يمكن أن يُعزى لها فقدان سوق الأسهم السعودية لأكثر من 58 مليار ريال من قيمتها السوقية في جلسة تداول واحدة. حركة المؤشر، صعوداً وهبوطاً، هو ديدن الأسواق المالية التي ترتبط حركتها في الغالب بالمتغيرات الأساسية، والفنية، والظروف الاقتصادية السياسية والأمنية بعقلانية ومسؤولية تناسب مع حجم تأثير تلك المتغيرات. عندما تخرج حركة المؤشر عن المسار المنضبط، والمتناسق مع معطيات السوق، أداء الشركات، والظروف المحيطة المؤثرة، تصبح السوق بعيدة كل البعد عن الكفاءة والجاذبية الاستثمارية؛ أو تحقيقها الأمان النسبي الذي يساعد في زيادة ثقة المستثمرين بالسوق، والاقتصاد بشكل عام.
ويفترض أن يكون هناك تناغم حقيقي بين أداء الاقتصاد والسوق المالية، فالثقة بالاقتصاد يجب أن تمتد لتشمل قطاعاته المختلفة، بما فيها السوق المالية. الثقة بالاستقرار المالي، السياسي، والأمني يجب أن يترجم إلى عمل حقيقي على أرض الواقع، وأن تنعكس آثاره الإيجابية على تصرفات المستثمرين في السوق المالية التي يُرجى أن تكون أكثر ارتباطاً بمحيطها الجغرافي، وبيئتها الحاضنة، من إرتباطها بما يحدث في الأسواق البعيدة المنفصلة نسبياً عن السوق السعودية.
المراقب للسوق السعودية يجدها أكثر إرتباطا بالمتغيرات العالمية، منها بالمتغيرات المحلية، خلافاً لطبيعتها الاستثمارية المغلقة نسبياً أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتباط شركاتها بمحيطها الجغرافي.
أصبحت السوق فاقدة الهوية، الاستقلالية، والارتباط بالاقتصاد الوطني، وباتت أكثر ارتباطاً بالأسواق المالية العالمية في غياب تام للتوجيه الإستراتيجي والحماية المسؤولة. الغريب أن الارتباط النفسي المصطنع يظهر جلياً مع سلبية الأسواق العالمية، ويتلاشى بالكلية مع إيجابيتها!. تبعية السوق السعودية للأسواق الأجنبية تسبب بها بعض المستثمرين الذين باتوا أكثر احترافية في استغلال المتغيرات العالمية، في الجانب السلبي، لتحقيق مصالحهم الخاصة بغض النظر عن مصلحة السوق، المتداولين، والاقتصاد الوطني.
المتابع لما تعرضت له السوق يوم السبت الماضي يعتقد أن كارثة حلت بالاقتصاد السعودي، أو أن تكون هناك متغيرات مؤثرة، على المستويين المحلي أو الإقليمي، لا يمكن تجاوزها دون تحمل الكثير من المخاطر، والتعرض المباشر لتداعياتها!. تبرير حدث الانخفاض الحاد إعلامياً، كان أسوأ من الحدث نفسه عند بعض خبراء الشركات الاستثمارية الذين أرجعوا خسائر السوق الحادة والمفاجئة إلى خسائر الأسواق العالمية المجمعة ليومي الخميس والجمعة، وهما يومي إجازة بالنسبة للسوق السعودية!!. قدر السوق السعودية أن تدفع فواتير الآخرين، وأن تتحمل دين هبوط الأسواق العالمية المُركب حين إغلاقها على أن تدفعه مؤجلاً عند الافتتاح، بغض النظر عن تغير الظروف، حجم الارتباط، وأسباب المشكلة!. لا أحد يُنكر علاقة الأسواق المالية وتأثرها ببعضها البعض، إلا أن من الظلم القبول بتحمل السوق المحلية حجم الخسائر المماثلة التي تحملتها الأسواق المتسببة بالأزمة، أو الأسواق المرتبطة بها.
أجزم بأن الديون السيادية لليونان، والمشاكل المترتبة عليها لا ترقى إلى إحداث ذلك التأثير الحاد على السوق السعودية؛ بل إن ردة فعل السوق والمستثمرين تنطوي على كثير من المبالغة التي تجعلنا أكثر تحفظاً على قبول الأسباب المعلنة لخسارة السوق ما يقرب من 5 في المائة في يوم واحد!!. تُرى هل هناك أسباب أخرى لتلك الهزة العنيفة، أم أنها كانت فرصة لجني الأرباح المُعلقة، وربطها بالمتغيرات العالمية كما يقول البعض؛ أم أن الأمر أكثر تعقيداً مما نعتقد؟!.
لن ننشغل بتحليل الموقف، فالنتائج ومستقبل السوق أكثر أهمية للمواطنين الذين وضعوا في سوق الأسهم ثرواتهم ومدخراتهم أملاً في نمائها، أو المحافظة عليها في أسوأ الأحوال. سوق الأسهم هي مستودع أموال المواطنين، وأمانيهم، وأحلامهم التي تنتظر التحقيق، ومن الظلم تركها مُستباحة تتقاذفها الرغبات والمؤثرات الخارجية، كريشة في مهب الريح.
خلق السوق المالية، وتشجيع المستثمرين على دخولها، دعماً للاقتصاد، تستوجب تَحَمل مسؤولية المحافظة عليها، وتحصينها من الأزمات الخارجية، وحمايتها من الأخطار الداخلية المصطنعة، وزيادة ثقة المستثمرين فيها من خلال الشفافية، الحماية، وتحديد الجهة الفنية المسؤولة عن ضبط حركتها، خاصة في مثل هذه الظروف المالية، الاقتصادية السياسية الحرجة المحيطة بالمنطقة والعالم. الاضطرابات السياسية في المنطقة، والمشكلات المالية العالمية تستدعي وضع خطط طوارئ، وبرامج حماية للتعامل الحذق مع الظروف الطارئة لتحقيق الاستقرار والانضباطية الكفيلة بحماية السوق ومدخرات المواطنين بعيداً عن العشوائية التي ربما قضت على ما تبقى من سوق الأسهم السعودية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM