استعرضنا التغييرات التي طرأت والأسباب التي أدت إلى تلك التغييرات في المقال السابق، والسؤال القائم، ما هي أشكال التنظيمات الإدارية الواجب أخذها في الحسبان وتبنيها من قبل المنظمات لمواكبة تلك التغييرات والتكيف معها.
فبعد مجموعة من الدراسات الإدارية والمستقبلية التي قام بها علماء ومفكرين إداريين، وجدوا علماء الإدارة ضرورة التحول من النظم الإدارية المركزية إلى اللامركزية التي لا غنى عنها، في ظل تسارع المعلومات والمعرفة وتلاحق التغيرات. وهذا التوجه له عدة انعكاسات على الإدارة في المستقبل. فهو يعني صرف النظر عن التنظيمات الهرمية، والانتقال إلى أنواع وأشكال أخرى من التنظيمات، التي تعتمد على مجموعات العمل الصغيرة المتكاملة، والتي تعني تقليص مستويات الإدارة الوسطى، والاعتماد الكبير على التقنيات والأجهزة الحديثة في الإدارة. وأكثر البدائل المناسبة للإدارة والذي يواكب تلك التغييرات ويتكيف معها هو نموذج فريق العمل الصغير، المرن سريع الحركة، المتضمن لكل الكفاءات الضرورية، والمرتبط بالقيادات العليا للمنظمة. لقد اكتشف علماء الإدارة والاجتماع أن الناس يحبون العمل في فرق صغيرة متكاملة، بل اكتشفوا أن الطاقات الفردية لا تنطلق إلا من خلال الجماعات والفرق، كما ذكرته أم الإدارة «ماري فولييت» في كتابها «التجربة الإبداعية»، و «تشستر برنارد» المفكر الإداري ورئيس شركة AT AND T السابق الذي ركز على العمل التعاوني وفصل ذلك في كتابه «وظائف المديرون»، وغيرهم الكثير الذين أثبتوا أهمية العمل التعاوني والعمل ضمن فرق، فكل فريق يضم خبرات متنوعة هندسية وصناعية وتسويقية ومالية تتكامل فيما بينها، وله مدير يتصل مباشرة بالإدارة العليا للمنظمة، وتتخذ تلك التنظيمات أشكال ومسميات مختلفة، ولكن جميعها تتفق على مبدأ فرق العمل الصغيرة، سريعة الحركة، مرنة التشكيل، ومن أهم تلك التنظيمات، التنظيمات البيولوجية، وتنظيم الزمالة، والتنظيم المصفوفي أو الشبكي، وغيرها، ولكن تبقى هذه الأشهر وأكثرها مناسبة لمواكبة تطورات المستقبل.
فقد ابتكرت شركة مينيسوتا للتعدين والصناعة (3M) التنظيم البيولوجي لمواجهة الهيكل الإداري التقليدي، ويعتمد التنظيم البيولوجي في جوهره على فريق العمل الصغير، الذي يعمل كلما راج منتج من منتجات الشركة، ثم ينسلخ الفريق عند انتهاء مهمته، ويتكون فريق جديد لمنتج جديد تخصص في هذا المنتج، وهكذا تتوالد الفرق الصغيرة بيولوجياً عند الحاجة، وعند بروز وإصدار منتج جديد.
والنموذج الآخر هو نموذج الزمالة، ففي كثير من المنظمات يترك الخبراء والفنيون المتفوقون مواقعهم، بهدف ترقيتهم إلى وظائف إدارية تتضمن المزيد من النفوذ والمال، بعيدا عن مجال تخصصهم الذي أبدعوا وتفوقوا فيه. وهذا يحرم الفني والخبير من عمل يحبه ويتفوق فيه، ويحرم المنظمة أيضا من خدمات ذلك الخبير، بل ويتطلب من المنظمة البحث عن البديل المناسب، وإلا تعرضت المنظمة إلى بعض المشاكل، ويضاعف هذا الإجراء وظائف الإدارة العليا التي ليس لها علاقة مباشرة بالإنتاج. وهذه من أكبر المشاكل التي تواجه المنظمات، كيف تحافظ على موظفيها المتميزين، وفي نفس الوقت كيف لا تتأثر جراء تلك المحافظة، فقد قامت شركة (IBM) باعتماد نظام الزمالة الذي يتيح للفني والمهندس مثلا أن يظل مهندساً، ومع ذلك يرتفع مرتبه، وتزيد سلطته في الشركة وتتضاعف امتيازاته، دون انتزاعه من مجال تفوقه، وتحميل الشركة أعباء إدارية لا تكون في مصلحتها، وبالتالي حافظت على مهندسيها وخبرائها، وتجنبت المنظمة الوقوع في مشاكل وأعباء مالية إضافية، ويكون ذلك من خلال إيجاد سلم أو كادر فني مستقل عن الكادر والسلم الإداري، والذي يتيح للمهندس مثلاً الترقية وزيادة الامتيازات وغيرها، وفي نفس الوقت لا زال يعمل مهندساً خبيراً.
التنظيم التالي هو التنظيم الشبكي، أو التنظيم المصفوفي، ويعتمد هذا النموذج أيضا على فريق العمل الصغير، وقد طبقته شركة جور وشركاه لصناعة النسيج منذ فترة، الموظف في الشركة يطلق عليه اسم «الشريك»، والتعامل بين أي شريك وآخر يتم بشكل مباشر، ومن خلال شبكة من خطوط الاتصال الأفقية والرأسية. وتنبع القيادة بين الشركاء بشكل طبيعي من خلال الصفات التي تتجسد أثناء العمل. وكل شريك يختار المهمة التي يتصدى لإنجازها عملا بشعار: «الأهداف يضعها أولئك الذين يكون عليهم تحقيقها». وينمو مرتب الشريك وفقا لمدى إنجازه لأهدافه.
هذه بعض أشكال التنظيمات الإدارية والهيكلية الواجب تبنيها من قبل المنظمات لمواكبة تلك التغييرات والتكيف معها، وتبقى للمنظمات اختيار التشكيل المناسب وفق ظروفها وأبعادها المختلفة، وبيئتها الداخلية والخارجية، كما يمكنها إجراء التعديلات المناسبة عليها، والابتكار متى ما احتاجت إلى ذلك، فهي ليست أشكال وتنظيمات جامدة وغير قابلة للتغيير، أو محصورة في هذه الأشكال. ولكن يجب مراعاة الفكرة الرئيسة، فكرة فرق العمل الصغيرة........ ودمتم.
alaidda@hotmail.com