معظم السياسيين العراقيين الذين قدموا مع الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق، كانوا يقيمون في بريطانيا، وجميع من مارسوا «النضال» في بريطانيا يحملون جنسيات «المملكة المتحدة» إلى جانب جنسيتهم العراقية، وأنهم قضوا أعواماً طويلة في المدن البريطانية يمارسون المعارضة والسياسة والتجارة وجمع المعلومات، وكل شيء يقوم به اللاجئ السياسي الذي تُؤمِن له الدولة التي تقبله لاجئاً سياسياً، فتقدم له المسكن والراتب والحماية والغطاء السياسي، بقدر ما يقدم من معلومات وما يحققه من فوائد للدولة المستضيفة في وقت وجوده في تلك البلاد، وما سيحققه بعد أن ينجح في العودة للحكم.
هذا شيء معتاد ومعروف، وهو ليس محصوراً على المعارضين والسياسيين العراقيين الذين أقاموا في بريطانيا، وهو ليس موضوعنا، إذ إن موضوعنا الذي نريد أن نُذكِّر به هو مدى استفادة السياسيين العراقيين الذين يحكمون العراق الآن ويتصارعون على البقاء في سدة الحكم أو العمل للوصول إلى المنطقة الخضراء لممارسة الحكم، هؤلاء الذين عاشوا ردحاً من الزمن في بريطانيا وتعلموا فيها «الديمقراطية» التي يريدون تطبيقها في العراق، هل يستفيدون مما حصل في بريطانيا الآن..؟!
هل يعلمون أن السياسيين الأنكليز الذين عاشوا بين ظهرانيهم قد تغلبوا على خلافاتهم وأنجزوا اتفاقاً بين حزبي المحافظين والديمقراطيين الأحرار في أقل من أسبوع؟!
الحزبان البريطانيان متباعدان فكرياً، فالمحافظون ينهجون سياسات يمينية مطلقة، والديمقراطيون الأحرار يسمونهم في بريطانيا ليبراليين، ومعنى هذا أن سياساتهم مضادة ولا تلتقي مع سياسات اليمين، ولكن الديمقراطية الحقيقية ومصلحة بريطانيا جعلت زعيمي الحزبين يتفقان، وأن تؤيد قواعد الحزبين وأنصارهما ونوابهما الاتفاق، وتصبح لبريطانيا حكومة في أقل من أسبوع بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية.. هكذا أنجز أساتذة السياسيين العراقيين، أما هم الذين «رضعوا الديمقراطية» في لندن.. فما زالوا وبعد مرور قرابة الشهرين عاجزين حتى على الالتقاء والتفاهم على حل ينقذ العراقيين من حمامات الدم التي تقوم بها مليشياتهم وعصاباتهم، في تأكيد على سقوط «الديمقراطية» أمام ضربات «الطائفية».
jaser@al-jazirah.com.sa