تدخل متجراً في شارع عام لشراء ما يلزمك فتجد إحدى فتياتنا وقد أحاط بها أحد الباعة العرب بصنوف الإغراء لشراء بضاعته بطريقة سمجة مكشوفة بما فيها من تمايع وتكسر سواءً بحديثه معها أو بطريقة عرضه لبضاعته،
وتجد على الجانب الآخر إحدى السيدات وهي تنهر ابنتها بضرورة الخروج من ذلك المتجر الذي لا يحترم البائع فيه خصوصيتها وابنتها، ثم تجد أمامك أحدهم وهو ممسك بثوب نسائي قصير وصغير محاولاً إقناع المشترية به وما يتبع ذلك من كلمات إطراء مبتذلة لا تخلو من الخبث، وجمل رنانة ذات مفعول سحري لدى الفتيات. ثم ما إن تنتقل إلى القسم الخاص بالملابس الداخلية حتى ترى العجب العجاب. ولست بصدد الحديث عن هذا الجانب وما يحمل من فضائح فقد تم إشباعه كتابةً وبحثاً وجدلاً سواءً على المستوى الرسمي أو الخاص.
لكني بصدد الحديث عن المانع من قصر البيع في تلك المحال على النساء، أليس في ذلك سداً لذرائع عدة؟ أعلم يقيناً أن مشروعاً كهذا لابد أن يكون له ما يحكمه من ضوابط صارمة وخطة تدريجية لتنفيذه وقواعد لا يمكن تجاوزها، غير أني أتساءل دوماً عن أيهما أضر؛ وضع الفتاة في ذلك الموقف المشين الذي تتعرض من خلاله لصنوف الإغراء والإغواء وأساليب التحايل للكشف عن عوراتها أو التغزل بمفاتنها، أم تشغيلها في تلك المحلات لتكون هي من يستقبل الفتيات الآخريات وتبيع عليهن دون حرج أو خجل.
ليس في تطبيق ذلك فقط سداً لذرائع عدة كما أسلفت إنما أيضاً لاحتواء كثير من فتياتنا العاطلات عن العمل. تواردت مؤخراً أخبار عن فتيات عرضن أنفسهن لأنواع المهانة من أجل لقمة العيش لتعيش هي وأسرتها، فمن بائعات على الأرصفة تحت حرقة الشمس أو شدة البرد إلى ماسحات لسيارات المتسوقين في المجمعات التجارية إلى شحاذات محترفات، غير ما قد نسمع عنه مستقبلاً من امتهانهن لأفظع من ذلك. أوليس في امتهان فتياتنا لتلك المهن تعريضهن للانحراف والانجراف خلف الإغراءات والإغواء فضلاً عن محاولات التحرش التي قد تحدث لهن في كل مكان وزمان من ضعاف النفوس والمرضى.
نعلم جيداً أن قطاع البيع بالتجزئة بات اليوم خيار من حمل هم القضاء على البطالة، حيث يعلم المهتمون بهذا الجانب الأرقام المخيفة التي يمكن لهذا القطاع أن يستوعبها سنوياً وليس فقط استيعاب العاطلين والعاطلات عن العمل اليوم بل حتى في القادم من الأيام طالما بقيت جامعاتنا على أسلوبها الحالي في قبول الطلبة والطالبات في تخصصات نظرية لم تعد الحاجة موجودة لهم اليوم أو مستقبلاً.
بات توظيف شبابنا السعودي قضية اليوم وحديث المجالس وهّم المسؤول وقد سبق أن أشرت في غير مقال أنه ليس بالأمر الهين ولم يكن كذلك لكن تحقيقه ليس أيضاً من ضروب المستحيل أو الخيال.
يسعى جميع من أوكلوا هذه المهمة الوطنية الجسيمة بشتى قدراتهم وإمكانياتهم لإيجاد حلول لهذا الوضع في ظل تزايد أعداد العاطلين عن العمل والتوجس الدائم من المستقبل الذي يحمل حقيقة مفادها تزايد أعداد الشباب الباحثين عن العمل عاماً بعد آخر ما يشكل خطراً لعلي لا أبالغ إن وصفته بخطر يفوق جميع الأخطار المعاشة اليوم؛ لأن البطالة كما هو معلوم تعتبر نواة وسبباً رئيساً لخلق أرضية خصبة للجريمة والمخدرات والانحرافات بشتى أنواعها.
لا شكك أن ذلك الهّم يؤرق جميع أجهزة الدولة ذات العلاقة، فوزارة العمل وهي الوزارة المناط بها تلك المهمة الوطنية، تعمل بجد وباجتهاد ممثلة في عدد من الأجهزة ذات العلاقة وكأنها تنحت بالصخر مما يواجهها من عدد من المحبطات سواءً من القطاع الخاص الذي بات أمر تعاونه مع الوزارة في سعودة الوظائف لديه أمراً محكوماً عليه بالفشل إلا من رحم ربي، أو من خلال المواطن الذي يرغب بوظيفة تناسبه شخصياً بمرتبها وعدد ساعات العمل بها، وفوق ذلك المكان والمرجعية.
أما الجوانب الرئيسة المهمة في تقييد السعودة هي ما يمكن تلخيصه في استمرار تدفق العمالة الوافدة إلى سوق العمل والذي يشكل ضغطاً هائلاً على الوضع التنافسي للعمالة الوطنية سواء بالنسبة لحصولها على وظائف جديدة أو إحلالها محل العمالة الوافدة، وهذا لا يمكن السيطرة عليه ولا ينبغي أيضاً حيث ضرورة استمرار وجود الخبرات الأجنبية في البلاد لتمكين الشاب السعودي من الاستفادة منها ونهل الخبرة والمعرفة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ذلك سلبية أو عائقاً يقف دون تحقيق سعودة حقيقية إذا ما تمت عملية تدفق الخبرات الأجنبية وفق ضوابط محددة تحقق الهدف منها ولا تؤدي لخلق ضغط تنافسي في الحصول على الوظيفة.
الإشكالية من وجهة نظري تأخذ عدداً من العوامل أهمها اهتمامنا بالجانب الكمي على حساب الجانب النوعي في عملية السعودة، فنتباهى بأرقام التوظيف المحققة على حساب نوعية وطبيعة الوظائف ومدى ملاءمتها لمن تم توظيفهم، وهذا قد يكون أخطر من إهمال تحقيق التوطين المنشود حيث تؤثر عشوائية التوظيف سلباً على العامل نفسه من خلال عدم ملاءمة الوظيفة التي تم تعيينه عليها لمؤهلاته أو حتى قدراته ما يساهم في نشوء نوع جديد من البطالة والذي نستطيع أن نطلق عليه البطالة المدورة والتي يعود طالب العمل مجدداً وخلال فترة وجيزة عاطلاً عن العمل ومطالباً الجهات الرسمية بمساعدته. العامل الثاني هو اهتمام أصحاب القرار في سعودة القطاعات الأقل رغبة من قبل الشباب والشابات وإهمال قطاع ثبت بالأرقام إمكانية استيعابه بمفرده لجميع العاطلين والعاطلات عن العمل وبشكل سنوي حيث يقابل أعداد الخريجين المحكوم عليهم سلفاً بالعطالة، وظائف جديدة في ذلك القطاع.
لا أعلم حقيقةً سبباً واحداً يجعلنا نستمر في سياسة ثبت فشلها وعدم نجاحها ولو نسبياً، لا أعلم سبباً واحداً يجعلنا متفائلين في القادم من الأيام في ظل ذات الطريقة التي نتعاطى فيها مع أهم قضية وطنية على الإطلاق، لا أعلم مالذي يجعلنا نمعن في تطبيق أنظمة معينة ثبت قدرة كثيرين على التحايل عليها هرباً من تطبيقها عليهم، لا أجد مبرراً للاستمرار على النهج ذاته في التعامل مع المشكلة وعدم البحث عن بدائل. لا أعلم مالذي يمنع من الاستنارة والاستئناس بآراء الخبراء في المجال والاستعانة بأساتذة ذوي خبرات عريضة في المجال، لا أعلم سبباً يجعلنا هامدين جامدين جاثمين على حلول غير مجدية ولا نفع بها.
نحن أحوج ما نكون في هذه الأيام لقيام جهاز مستقل يعنى بتطوير القوى العاملة، جهاز يقوم بلعب دور فاعل ومهم في تأمين التوظيف المطلوب والتوطين المنشود، جهاز يؤّمن لم شمل جميع الأذرعة الحالية لوزارة العمل، جهاز تكون مرجعيته أعلى سلطة سياسية في البلاد لضمان تحقيقه للأغراض والغايات والأهداف التي أُوجد من أجلها، جهاز يوفر وجوده الوقت اللازم لقيام وزارة العمل بالدور الأساس لها، جهاز يمكن له أن يُحدث فارقاً في عملية القضاء على البطالة أو تخفيفها على أقل تقدير، جهاز يكون منفصلاً تماماً عن وزارة العمل له استقلاليته ومرتبط بجهة أكبر من الوزارة لضمان مده بالقوة الكافية إن أردنا فعلاً تحقيق إنجاز للوطن، جهاز يهتم بالنوعية وجودتها ولا يبالي ولا يباهي بالأعداد، جهاز يقوم بتنظيم الجهد الذي يبذل من جميع تلك القطاعات سابقة الذكر وتوحيد سياساتها ووضع أهدافها وتحديد أزمنة تحقيق تلك الأهداف التي تؤدي لنتيجة واحدة وهي توظيف الشباب وتوطين الوظائف والقضاء على البطالة المتنامية.
إننا أمام حالة اجتماعية أمنية إنسانية اقتصادية تمس أبناء الوطن وبناته وأسره وعوائله كالعمل أو التوظيف أو التوطين أو القضاء على البطالة، تتطلب قراراً صارماً حازماً ملزماً يحقق الرفاهية للمواطن وقبل ذلك المعيشة له ويقضي على كثير مما تفرزه الآثار السلبية للبطالة أو العطالة كما يحلو للبعض تسميتها، تلك الحالة التي تتطلب تدخل ولي الأمر - حفظه الله ورعاه - في إنشاء هيئة خاصة للقوى العاملة يكون رأس أولوياتها القضاء على البطالة الموجودة ومن ثم العمل على ترسية أساسات قوية لإيجاد فرص وظيفية لما قد تُفرزه الأيام من عاطلين وعاطلات عن العمل. إلى لقاء قادم إن كتب الله.