صدفة أدرت محرك البحث في التلفزيون «الريموت كنترول» وقفت عند قناة شعبية فرأيت رجالا جساما، ويتمتعون بصحة تكاد تطغى على صحة الحاضرين، لكني ما كنت أتوقع أن أراهم بهذا الشكل، ولا تمنيت أن يكونوا هكذا، إذ رأيتهم بشكل مغاير لما هو سائد ومرغوب! فالذي نشأنا عليه وعرفناه من خلال سير طلاّب العلم أن الوقار والسمت والحشمة والحياء من أبرز صفات الواعظ أو الداعية أو من يحاول أن ينير الطرق للعامة بالعلم، لكن من رأيتهم صدمت بما يقولون!! إنهم يغنون بغناء له ترتيب مغر! وكأن أحدهم من أمهر المطربين والفنانين عندما يجر صوته الشجي الذي تهتز له رؤوس بعض الحاضرين!! والأغرب أن أفواههم تنفتح بشكل يبرز معه من خلالها آخر حنجرة أحدهم!! شكل مضحك حقا.
يقولون قديما «فلان يغنّي الصّفر» بتسكين الفاء، جمْع صفْرة والصفرة هو قبيل الغروب، وهو كناية عن أنه فاقد العقل والسمت والحكمة، وكان الذين يغنون الهجيني على هجنهم وهم في طرق بريّة أو في مزارعهم يخجلون من أن يرفعوا أصواتهم خوفا من اتهامهم بقلة السمت والحشمة، لكن ما دام في صحراء أو بستان لا أحد يسمعه فيغني مجرورا أو هجينيا أو أية ألحان شعرية يشيلها، لكنه يعرف أن من سيسمعه سيقول له «استح على لحيتك» حتى ولو كانت لحيته صغيرة أو على شكل مرسوم أو قد عذّبها بمقص غير حاد!!.
هؤلاء رأيت أفواههم تنفتح وكأنها قرب الماء القديمة، وهم يرددون: يا راكب اللي كنها الصاروخ... يا رب سهل مماشيهم!! ويجرّون الحروف من أقصى الرئتين بكل تغنج لا يليق، لكن أحدهم يزعم أنه من باب التحبب للشباب، أو من باب التجديد في الوعظ والنصح!! وما علم المتلقي أن أغلب هؤلاء هم من الجهلة الأميين الذين انتشروا في البلاد.
هؤلاء المميعون لطريقة الدعوة أو لطرق النصح أو لطرق التوجيه بغنائهم وطربهم الذي يشكلون به مجموعة أو ما يسميه أهل الفن «كومبارس» هم الآن يبرزون في كل حفل شعبي تنقله القنوات الشعبية، وهم خطر يكمن ولا نرى شرره إلا في قلب قلوب الشباب من العقيدة الصافية إلى عقيدة هلامية تقول «بلّغوا... بلّغوا... ولا تهتموا بغير التبليغ»، وهم لا يكلون ولا يملون، بل يفرضون أنفسهم في المناسبات حتى لو كانت مناسبة زواج وفرح عائلي، أو حتى مناسبة عزاء!!
أخوف ما أخاف أن ينقلب الشباب (خاصة من لم يكونوا من أصحاب التعليم العالي والعوام) إلى تبليغيين أو إلى غيره من فرق بدأت تنتشر بين الشباب انتشار النار في الهشيم، مع أن أجمل ما تراه في التبليغيين هو تلك اللحى الكثة التي تعطي انطباعا أوليا أن حامل هذه اللحية من أصحاب العقيدة الصافية الأخيار، لكن يخونهم ضعف التوحيد... اللهم ارزق شبابنا العقيدة الصافية وأبعدهم عن الفرق التي قال عنها سيد البشر أنها ستفترق إلى بضع وسبعين فرقة...
Abo_hamra@hotmail.com