أرسلت مقالةً بعنوان (مطر مطر يا مطر وين الفلوس؟) إلى جريدة الجزيرة لتكون زاوية اليوم (الأربعاء 28-5-1431 ه). بعد بعض الأخذ والرد مع الأخ رئيس التحرير رأيت صرف النظر عن محاولة نشرها، خصوصاً وأن موضوعها أشبع بحثاً وتفصيلاً بطرق فاقت ما حاولت المساهمة به، وكان أبلغها في نظري رسمين كاريكاتوريين في الجزيرة يوم السبت (24-5-1431 ه). كان الكاريكاتور الأول في الصفحة الأخيرة يمثل سحابة أقبلت على شارع عريض مسفلت تمتد تحت طبقته الإسفلتية مصاصة بيبسي كولا ومكتوب فوقها: تصريف سيول. الكاريكاتور الثاني في نفس العدد ص42 يمثل متحاورين يتساءل أحدهما إن كان الذين غرقوا في النفق لا يدرون أن ما فيه تصريف، فيجيبه الآخر أن مشكلة الأنفاق أصلاً تصريف في تصريف. رُبّ رسم كاريكاتوري يغني عن تدبيج عدة مقالات وخير الكلام ما قل ودل.
إن ما حدث في الأيام المطيرة الماضية، المختلفة نسبياً عن المألوف عندنا والمألوفة تماماً عند غيرنا جعل الجرائد والفضائيات والعنكبوتيات تتبارى في البحث عن صور ومنابت الأخطاء في المجالات المالية والإدارية والتنفيذية. من بركات هذه الأمطار أنها فضحت تقصيراً فضيعاً يدعو إلى إعادة نظر عميقة في الطريقة التي يتم بها تنفيذ مشاريع البنى التحتية للبلد وما يصاحبها من تعدد وتقاطع الصلاحيات بين جهات التنفيذ والغياب التام للتنسيق بينها، وعن مدى انتشار الحساسيات البيروقراطية والتنافس السلبي بين مختلف الإدارات لدرجة تبادل الاتهامات وتقاذف كرة النار فيما بينها تهرباً من مسؤوليات انهدام الجسور وغرق الأنفاق وموت الناس. بعض الظرفاء يحمد الله لوجود الأنفاق لكونها اصطادت السيول وحصرتها وحولتها إلى بحيرات خزن استراتيجي، ولو لم تكن موجودة لغرقت البيوت بأهلها من فائض السيول في الشوارع الممنوعة من الصرف.
الذي أعتقده أن كل من صور وكتب ومن قرأ أيضاً لا يتفاءل كثيراً بأن حلول ما كشفته السيول من اهتراء البنية سوف تحدد بالسرعة الشافية الكافية.
تقولون لماذا؟.. لأنها ليست المرة الأولى ولا الثالثة أو الخامسة التي تتكرر فيها مآسينا مع سحابتين أو ثلاث تمطر صدفة على هذه الصحراء الجافة فنصل إلى حافة الغرق وتتعطل الطرقات وتغلق الجسور وتدخل المياه إلى الدور ويموت بعض الناس. هذه واحدة، والأخرى هي أن المتضرر الأكبر دائماً هو المواطن ضعيف الحيل والحيلة. مع ذلك نقول في هذه المرحلة المباركة من حكم الملك الصالح أنه لن يستطيع أي مسؤول تبرير الفرق الهائل بين المبالغ المرصودة لمشاريعنا الوطنية من ناحية وما يتمخض عنه التنفيذ من قبح وهزال في الناحية الأخرى. لقد ملّ الناس وضاقت صدورهم ولم يعد أحد يصدق ما يقدم من الأعذار وإلصاق التهم بالعوامل الطبيعية أو النقص في المبالغ المرصودة للمشاريع. لا يهم كثيراً هذه المرة تحديد المسؤولين بالصوت والصورة، كل في مجال تقصيره ومساهمته في حدوث الكارثة وتقديمهم للعدالة، وإن كانت هذه أمنية كل مواطن. المهم هو أن تكون هذه المرة خاتمة للمآسي يتعلم منها أصحاب المسؤوليات المالية والإدارية والتنفيذية أن يستعدوا للمواسم القادمة.
أيها المسؤولون، لا تضيعوا الوقت في الكلام والتبريرات الفارغة وتبادل الاتهامات. موعدكم مع المساءلة الحقيقية والنهائية في موسم الأمطار القادم إن شاء الله.