خلال عام تقريباً عشنا ثلاث كوارث طبيعية، ففي شهر ربيع الأول من العام الماضي مرّت بالرياض عاصفة هوجاء لم نشهد مثلها خلال السنوات الأخيرة، لدرجة أن كرة المسؤولية
تطايرت بين ثلاث جهات حكومية (التربية والتعليم والدفاع المدني ورئاسة الأرصاد)، فكل جهة تحاول أن تخلي مسؤوليتها بسبب ما خلفته العاصفة من هلع بين الناس وحالات اختناق وربو غصّت بها المستشفيات. وفي نهاية العام وتحديداً شهر ذي الحجة تسببت الأمطار التي هطلت بكميات كبيرة على مدينة جدة في وقوع كارثة سيول حوّلت كثير من الأحياء إلى بحيرات أغرقت البيوت وأعطبت السيارات وقضوا بعض الشهداء فيها، فكان القرار السامي الكريم بتشكيل لجنة تحقيق عن أسباب الكارثة ومساءلة كائن من كان.
وقبل أيام تكررت كارثة جدة في مدينة الرياض عندما هطلت الأمطار بكميات كبيرة فاقت التوقعات، وجعلت الأنفاق الفسيحة بحيرات عميقة، والأحياء الجديدة مستنقعات متجاورة، بل كشفت أن مجاري تصريف السيول لا تغطي إلا (30%) من العاصمة المترامية الأطراف، كما كشفت أن شركات التطوير العقاري لا تعرف شيئا اسمه البنية التحتية قدر معرفتها بالأرقام الفلكية لأسعار الأمتار في تلك الأحياء المنكوبة، حتى أنك لا تكاد تفرق بين صور المياه في حيّ قويزة بجدة، ومثلها في حيّ الجنادرية أو النظيم أو المصيف بالرياض وغيرها من الأحياء.
وإذا كانت مهمة الجهات الحكومية من أمانة المنطقة والبلديات ووزارتي النقل والمالية (معالجة) القصور الفاضح في شبكة تصريف السيول في الأحياء والشوارع، وجاهزية الأنفاق لاستقبال كميات أمطار أغزر من تلك التي هطلت يوم الاثنين 19 جمادى الأولى، فإن دور الدفاع المدني والجهات الأمنية أيضاً هو الاستعداد لحالات الطوارئ والأزمات، التي تسببها التقلبات المناخية ومفاجآت الطقس، وبالذات الدفاع المدني الذي يتحمل العبء الأكبر في تدارك أخطاء الآخرين وإنقاذ الناس، وهو عملٌ يحمد لهذا الجهاز الذي يعمل فوق طاقته، لأن مهمته النبيلة صارت مضاعفة، كونه يقوم بدوره في حالات طارئة غير طبيعية تحدث في ظل قصور في خدمات البنية التحتية.
في مقابل هذا كله هناك مسألة غاية في الأهمية لازلنا نتجاهلها بشكل غريب، رغم أنها قد تُسهم - بعون الله - في تخفيف وطأة أية كارثة طبيعية، وقد تحدثت عنها في مقال سابق من خلال (الجزيرة)، وهي مسألة الاستفادة من (التقنية الفضائية) في استباق التقلبات المناخية ومعرفة الطقس بشكل تقريبي على مدار الساعة لتجنب مفاجآته. وهي موجودة في دول آسيوية، فضلاً عن أميركا والدول الغربية التي تعرفها منذ عشرات السنين، فما الذي يمنع الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة من إطلاق قناة (فضائية) تعمل على مدار الدقيقة، بحيث تكون مرجعا يوميا لكل فرد، أو عائلة، أو جهة سواءً حكومية أو أهلية. خصوصاً أن التكلفة المادية لإنشاء قناة فضائية ليست باهظة، أو بالقدر الذي يُرهق ميزانية رئاسة الأرصاد، بل يمكن الاستعاضة عن هذه القناة ب(شريط إخباري) على إحدى القنوات السعودية، أو (إذاعة) تعمل على موجات (إف أم)! تكون مهمتها تنبيه أو تبليغ الساقين أو المتواجدين في أماكن بعيدة عن التلفاز بوضع الطقس المتقلب، فكثير ممن اصطادتهم المياه في الأنفاق والطرقات والأحياء كانوا لا يعلمون عن حقيقة تلك السحابة السوداء، التي ألقت ما في جعبتها الضخمة على مدينة الرياض بدقائق.
بل إن هذه التقنية الفضائية (قناة أو إذاعة أو شريط إخباري) تساعد الشركات والمقاولين الذين ينفذون أعمال وحفريات للبنى التحتية في بعض الأحياء على وضع جدول أعمال يتوافق مع ظروف الطقس المتوقعة، حتى لا تحدث انهيارات أرضية بسبب الحفريات التي تتم بجوار المنازل بسبب تدفق الأمطار إلى جوفها. إذاً الحاجة لقناة فضائية غدت ضرورة في ظل التقلبات والمفاجآت المناخية التي تحدث في العالم أجمع وليس بلادنا فقط. فهل تبادر الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة بالتنسيق مع وزارتي المالية والثقافة والإعلام بإطلاق هذه القناة؟ وليكون اسمها (أرصاد).. (أجواء).. (مناخ).. (طقس) أو أي اسم يعبر عن طبيعتها ورسالتها الإعلامية.
Kanaan999@hotmail.com